ويقول أبو بكر السجستانى فى مكان آخر بسند متصل عن سالم بن عبد الله:
إن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التى كتب فيها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها. قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر، ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله ابن عمر، فأمر بها مروان فشققت. فقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب فى شأن هذه الصحف مرتاب، أو يقول: إنه قد كان شىء منها لم يكتب.
ولا قدرى إلى أى حد كان توفيق مروان فيما فعل، ولكنه، وهو الرجل الذى كان معاصرا لما وقع، كان عليه أن يطمئن إلى أن الأمر قد تم على أحسن ما يكون دقة وضبطا، وما نظنه غاب عنه كيف احتاط عثمان لذلك، وما نظنه إلا كان شاهد عثمان وهو يخطب الناس يناشدهم أن يأتوه بما معهم من كتاب الله، وكان عهدهم بالنبى قريبا، إذ لم يكن مضى على وفاته أكثر من ثلاث عشرة سنة، وما نظن الناس إلا قد وفوا لعثمان وجاءه كل رجل بما كان عنده، فلقد كان الرجل يأتيه بالورقة والأديم فيه القرآن.
ولقد جمع من ذلك عثمان الشىء الكثير. وما وقف عثمان عند هذه، بل لقد دعاهم رجلا رجلا، فيناشده: لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو أملاه عليك؟ فيقول الرجل: نعم، حتى إذا فرغ من ذلك قال: من أكتب الناس؟
فقال الناس: كاتب رسول الله زيد بن ثابت. قال عثمان: فأى الناس أعرب؟
قالوا: سعيد بن العاص- وكان سعيد أشبههم لهجة برسول الله- قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد.
هذا كله فعله عثمان، وفعل إلى جانبه الاستئناس بالصحف التى تم جمعها فى عهد أبى بكر وشارك فيها عمر، والتى كانت عند حفصة، تلك الصحف التى مثلت المصحف الأول المعتمد.