فاما من فتح اللام فهى لام الابتداء، وهى جواب لما دل عليه الكلام من معنى القسم، لأن أخذ الميثاق، إنما يكون بالأيمان والعهود، فاللام جواب القسم، و «ما» بمعنى «الذي» فى موضع رفع بالابتداء، والهاء محذوفة من «آتيتكم» تقديره: آتيتكموه من كتاب، و؟؟؟؟؟؟ كتاب وحكمة» ، و «من» زائدة.
وقيل: الخبر «لتؤمنن به» ، وهو جواب قسم محذوف، تقديره: والله لتؤمنن به. والعائد من الجملة المعطوفة على الصلة على «ما» محمول على المعنى، عند الأخفش لأن «ما معكم» معناه: لما أوتيتموه، كما قال تعالى:
(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ١٢: ٩٠، فحمله على المعنى والضمير، إذ هو بمعنى: فإن الله لا يضيع أجرهم ولا بد من تقدير هذا العائد فى الجملة المعطوفة على الصلة، وهى:«ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم» ، فهما جملتان لموصولين، حذف الثاني للاختصار، وقام حرف العطف مقامه، فلا بد من عائد فى الصلتين على الموصولين ألا ترى لو أنك قلت: الذي قام أبوه ثم الذي منطلق عمرو، لم يجز حتى تقول: إليه، ومن أجله، ونحو ذلك، فيكون فى الجملة المعطوفة ما يعود على «الذي» المحذوف، كما كان فى الجملة التي هى صلة للذى ثم تأتى بخبر الابتداء بعد ذلك.
ويحتمل أن يكون العائد من الصلة الثانية محذوفا تقديره: ثم جاءكم رسول به أي: بتصديقه أي: بتصديق ما أتيتكموه وهذا الحرف على قياس ما أجازه الخليل من قولك: ما أنا بالذي قائل لك شيئا أي: بالذي هو قائل وكما قرىء (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) ٦: ١٥٤، بالرفع؟؟؟؟: هو أحسن، بالرفع، ثم حذف الضمير من الصلة، وإنما يبعد هذا الحذف عند البصريين لاتصال الضمير بحرف الجر، فالمحذوف من الكلام هو ضمير وحرف، فبعد لذلك.
ويجوز أن يكون «ما» فى قراءة من فتح اللام، للشرط، فيكون فى موضع نصب ب «أتيتكم» ، و «أتيتكم» فى موضع جزم ب «ما» ، و «ثم جاءكم» معطوف عليه فى موضع جزم أيضا، وتكون اللام فى «لما» لام التأكيد، وليست بجواب القسم، كما كانت فى الوجه الأول، ولكنها دخلت لتلقى القسم، بمنزلة اللام فى (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) ٣٣: ٦٠، تنذر بإتيان القسم بعدها، وهو قوله «لتؤمنن به» ، فهى توطئة للقسم وليست بجواب للقسم، كما كانت فى الوجه الأول لأن الشرط غير متعلق بما قبله ولا يعمل فيه ما قبله، فصارت منقطعة مما قبلها، بخلاف ما إذا جعلت «ما» بمعنى: الذي لأنه كلام متصل بما قبله وجواب له، وحذفها جائز، قال الله تعالى (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ) ٥: ٧٣، فإذا كانت «ما» للشرط لم «تحتج الجملة المعطوفة إلى عائد، كما لم تحتج إليه الأولى، ولذلك اختار الخليل وسيبويه، لما لم يريا فى الجملة الثانية عائدا، جعلاها للشرط. وهذا تفسير المازني وغيره لمذهب الخليل وسيبويه.