يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، إلا المراوضة فى ذلك. فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل، بعث إلى سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، فذكر ذلك لهما، واستشارهما فيه، فقالا له: يا رسول الله، أمرا تحبه فنصنعه، أم شيئا أمرك الله به، لابد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟
قال: بل شىء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأننى رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب. فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له، وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنت وذاك. فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا.
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وعدوهم محاصروهم، ولم يكن بينهم قتال، إلا أن فوارس من قريش، منهم عمرو بن عبدود بن أبى قيس، أخو بنى عامر بن لؤى، وعكرمة بن أبى جهل، وهبيرة بن أبى وهب، المخزوميان، وضرار بن الخطاب الشاعر، ابن مرداس، أخو بنى محارب بن فهر، تلبسوا للقتال، ثم خرجوا على خيلهم، حتى مروا بمنازل بنى كنانة، فقالوا: تهيئوا يا بنى كنانة للحرب، فستعلمون من الفرسان