روعه، حتى إذا ما تلقاه بعدها تلقاه متهيئا له. وهكذا كانت تلك الفترة خلو ثانية، بعد تلك الخلوة الأولى فى غار حراء، هيأت الأولى نفسه لتلقى الوحى وهيأت الثانية نفسه للأنس بالوحى.
وحركت فترة الوحى ألسنة أهل مكة بالقول فاسترسلوا يقولون: ودعه ربه؟؟
وقلاه. يرددها لسان الضلال شماتة بلسان الحق، ويحاول العقل الغافل أن يخدع بها العقل الواعى ليصرفه عن الدعوة الجديدة.
وانضمت هذه التى خلا بها الخصوم من شماتة إلى تلك التى خلا بها الرسول من لهفة، فإذا هو بعد هذه وتلك أحزن ما يكون على انقطاع الوحى، وأشوق ما يكون إلى اتصاله.
ومع هذا التهيؤ الكامل لهذه النفس البشرية المختارة اتصل الوحى ونزل على محمد قوله تعالى: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى يرد على المتقولين. ونزل عليه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ يأمره أن يكون رسول ربه إلى الناس يدعوهم إليه وإلى الحق، ويصرفهم عن الأوثان وعن الباطل.
وأخذ محمد يدعو إلى ربه، وإلى هذا الدين الجديد الذى اصطفاه ربه له، فى بيئة قد عرفت لها إيغالها فى الباطل واستكانتها إليه، وبين قوم أشربوا الضلال فعاندوا عليه، فاقتضت الحكمة الحكيمة أن تأخذ الدعوة طريقها سرّا لاعلانية، وخفية لا جهرا، تضم إليها الآنس بها وتجمع عليها من تفتح قلبه لها.
وكان أقرب الناس إلى الرسول من الرجال أبو بكر، وكان له صديقا وإلفا، ومن الصبيان على بن أبى طالب، فى ظله نشأ وبين يديه شب، ومن