النساء زوجه خديجة، وكانت كالئته فى خلواته وملاذه فى فزعاته، ومن الموالى زيد بن حارثة، وكان حب رسول الله، وهبته خديجة له قبل النبوة، وكان عمره إذ ذاك ثمانى سنين، فأعتقه رسول الله وتبناه، ومن العبيد بلال بن رباح الحبشى، وكان قريبا من أبى بكر غير بعيد عما يرى. فكان هؤلاء جميعا أول من آمنوا بمحمد وأول من صدقوه. وبقى الرسول بمن آمن معه يدعو الناس خفية، وما سلم الرسول وما سلم من معه- على الرغم من عدم مجاهرتهم بالدعوة- من أذى كبير حملوه راضين، حتى إذا ما أفصحت الدعوة عن نفسها شيئا، وغدت حديث البيئة، لم يكن بد من أن يقف محمد ومن حوله القليلون المستضعفون للناس جهرا يدعون، بعد أن قضوا نحوا من أعوام ثلاثة يسرون.
وكان الصدام بين الحق والباطل. وما جبلت النفوس الغافلة أن تخرج من غفلتها فى يسر، ولا سيما إذا كانت تلك الغفلة تظلها عقيدة وبحميها تقليد، وكانت تلك العقيدة وذلك التقليد إرث قرون.
ومشت قريش إلى الرسول تساومه على أن يطلب ما يشاء من ملك أو سيادة أو مال على أن يترك ما يدعو إليه، فعادوا بغير ما كانوا يأملون، ولقد كانت لهم فيها عظة لو كانوا يتدبرون.
من أجل هذا عنف هذا الصدام وقسا، وذاق دعاة الحق من عنفه ومن قسوته الشىء الكثير، وكان ماذاقوا ابتلاء لهذا الحق وابتلاء لهم، إذ لو كان هو زيفا ما ضمهم إليه على عسره، ولو كانوا هم على غير اليقين به ما انضموا إليه حاملين ما يمر.
ومضى محمد يشق الطريق بمن تبعه وسط هو جاء عاصفة، يدبر للدعوة