للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدعوات عجلة بقدر ماهى مستأنية، تستأنى وتطيل الاسنئناء ما وجدت فى هذا الاستئناء الخير، وتعجل فتسرع إلى العجلة ما وجدت فى هذه العجلة الخير. ولقد تلبث الرسول بمن معه من المسلمين ثلاثة عشر عاما- كما قلت لك- لا يحب أن يخرج بالمسلمين عن الصبر والاحتمال لأسباب بينتها لك، حتى إذا ما نفدت حكمة الصبر كانت حكمة الخروج عن الصبر.

ولقد خرج المسلمون من المدينة فى تلك السرايا والبعوث والغزوات ليثبتوا للملأ من حولهم أنهم خرجوا عن صبرهم، وليثبتوا للملأ من حولهم أنهم قوة تملك أن ترهب.

ولا غرو أن نرى هذا الشق الأول كله يمضى فى التعرض لعير بعد عير، فلقد كان هذا أسلوب ذلك العصر فى الإرهاب، وما أراد المسلمون غير أن يهابوا ويرهبوا وأن يبادلوا جيرانهم هذا الأسلوب الإرهابى.

ولم يكن فيه عليهم غضاضة، فلقد رأيتهم فى كل ما فعلوا لم يقصدوا إلا الإعلان عن خروجهم، ولقد فاتتهم العير فى الكثير من خرجاتهم، وحين التقوا بخصومهم مرة كان هذا الصلح الذى ثم بين حمزة وأبى جهل فى البعث الأول، ثم لقد رأيت كيف عاتب الرسول أصحابه على ما كان منهم فى نخلة.

إذن لم يكن صحيحا ما اتهم به المغرضون محمدا وأصحابه عن هذا الشق الأول من الحروب بأنها كانت للسلب، فلقد رأيت معى كم سلب المسلمون فيها وكم عيرا لقوا. والصحيح كما ثبت لك أن هذه الحروب- إن صح أنها كانت حروبا- لم يقصد منها المسلمون إلا الذى حدثتك عنه، وأنها لم تكن غير وثبة بعد صبر طويل، وكانت وثبة تحكى وثبات العصر فى شىء وتخالفه فى شىء، تحكيه فى مظهرها الإرهابى وتخالفه فى مظهرها السلبى.

<<  <  ج: ص:  >  >>