للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا، فإنه يدل على حصر المانع من الإيمان فى أحد هذين الشيئين.

وقال فى آية أخرى: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا فهذا حصر آخر فى غيرهما.

ومعنى آلآية الأولى: (وما منع الناس أو يؤمنوا إلا) إرادة أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ من الخسف أو غيره أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا فى الآخرة، فأخبر أنه أراد أن يصيبهم أحد الأمرين. ولا شك أن إرادة اللَّه مانعة من وقوع ما ينافى المراد، فهذا حصر فى السبب الحقيقى، لأن اللَّه هو المانع فى الحقيقة.

ومعنى الآية الثانية: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إلا استغراب بعثه بشرا رسولا، لأن قولهم ليس مانعا من الإيمان لأنه لا يصلح لذلك، وهو يدل على الاستغراب بالالتزام، وهو المناسب للمانعية، واستغرابهم ليس مانعا حقيقيا بل عاديا، لجواز وجود الإيمان معه بخلاف إرادة اللَّه تعالى، فهذا حصر فى المانع العادى، والأول حصر فى المانع الحقيقى فلا تنافى أيضا.

ومما استشكل أيضا قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ مع قوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ، إلى غير ذلك من الآيات.

ووجهه أن المراد بالاستفهام هنا النفى، والمعنى: لا أحد أظلم، فيكون خبرا، وإذا كان خبرا، وأخذت الآيات على ظواهرها، أدّى إلى التناقض. وأجيب بأوجه:

منها: تخصيص كل موضع بمعنى صلته، أى لا أحد من المانعين أظلم ممن منع مساجد اللَّه، ولا أحد من المفترين أظلم ممن افترى على اللَّه كذبا، وإذا تخصص بالصلات فيها زال التناقض.

ومنها: أن التخصيص بالنسبة إلى السبق لما يسبق أحد إلى مثله، حكم عليهم بأنهم أظلم ممن جاء بعدهم سالكا طريقهم، وهذا يئول معناه إلى ما قبله، لأن المراد السبق إلى المانعية والافترائية.

<<  <  ج: ص:  >  >>