ومنها: أن نفى الأظلمية لا يستدعى نفى الظالمية، لأن نفى المقيد لا يدل على نفى المطلق، وإذا لم يدل على نفى الظالمية لم يلزم التناقض، لأن فيها إثبات التسوية فى الأظلمية، وإذا ثبتت التسوية فيها لم يكن أحد ممن وصف بذلك يزيد على الآخر، لأنهم يتساوون فى الأظلمية، وصار المعنى: لا أحد أظلم ممن افترى، ومن منع، ونحوهما، ولا إشكال فى تساوى هؤلاء فى الأظلمة، ولا يدل على أن أحد هؤلاء أظلم من الآخر، كما إذا قلت: لا أحد أفقه منهم، ونفى التفضيل لا يلزم منه نفى المساواة.
وقيل: هذا استفهام مقصود به التهويل والتفظيع من غير قصد إثبات الأظلمية للمذكور حقيقة، ولا نفيها عن غيره.
وإذا تعارضت الآى، وتعذر فيها الترتيب والجمع، طلب التاريخ وترك المتقدم بالمتأخر، ويكون ذلك نسخا، وإن لم يعلم وكان الإجماع على العمل بإحدى الآيتين علم بإجماعهم أن الناسخ ما أجمعوا على العمل بها.
ولا يوجد فى القرآن آيتان متعارضتان تخلوان عن هذين الوصفين.
وتعارض القراءتين بمنزلة تعارض الآيتين نحو: وَأَرْجُلَكُمْ بالنصب والجر، ولهذا جمع بينهما بحمل النصب على الغسل، والجرّ على مسح الخف.
وجماع الاختلاف والتناقض أن كل كلام صح أن يضاف بعض ما وقع الاسم عليه إلى وجه من الوجوه فليس فيه تناقض، وإنما التناقض فى اللفظ ما ضاده من كل جهة، ولا يوجد فى الكتاب والسنة شىء من ذلك أبدا، وإنما يوجد فيه النسخ فى وقتين، ويجوز تعارض اى القران والآثار وما يوجبه العقل، فلذلك لم يجعل قوله: اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ معارضا لقوله: وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً وإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ لقيام الدليل العقلى أنه لا خالق غير اللَّه، فتعين تأويل ما عارضه، فيؤول (وتخلقون) على تكذبون، و (تخلق) على تصوّر.
والاختلاف على وجهين:
اختلاف تناقض، وهو ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر، وهذا هو الممتنع على القرآن.
واختلاف تلازم، وهو ما يوافق الجانبين كاختلاف وجوه القراءة، واختلاف مقادير السور والآيات، واختلاف الأحكام من الناسخ والمنسوخ، والأمر والنهى، والوعد والوعيد.