للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ الآية، جمع في هذه اللفظة أحد عشر جنسا من الكلام: نادت، وكنت، ونبهت، وسمعت، وأمرت، وقصت، وحذرت، وخصت، وعمت، وأشارت، وعذرت، فالنداء: يا، والكناية: أى، والتنبيه: ها، والتسمية: النمل، والأمر:

ادخلوا، والقصص: مساكنكم، والتحذير: لا يحطمنكم، والتخصيص:

سليمان، والتعميم: جنوده، والإشارة: هم، والعذر: لا يشعرون، فأدت خمسة حقوق: حق الله، وحق رسوله، وحقها، وحق رعيتها، وحق جنود سليمان.

وما من اسم حذف في الحالة التى ينبغى أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره كما سمى ابن جنى الحذف شجاعة العربية، لأنه يشجع على الكلام.

والحذف على أنواع:

أحدها: ما يسمى بالاقتطاع، وهو حذف بعض حروف الكلمة، ومنه فواتح السور على القول بأن كل حرف منها من اسم من أسمائه.

وادعى بعضهم أن الباء في: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ أول كلمة (بعض) ثم حذف الباقى.

ويدخل في هذا النوع حذف همزة (إنا) فى قوله: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي إذ الأصل: لكن أنا، حذفت همزة أنا تخفيفا وأدغمت النون في النون.

النوع الثانى: ما يسمى بالاكتفاء، وهو أن يقتضى المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط، فيكتفى بأحدهما عن الآخر لنكتة، ويختص غالبا بالارتباط العطفى كقوله: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ أى والبرد، وخص الحرّ بالذكر لأن الخطاب للعرب وبلادهم حارة والوقاية عندهم من الحرّ أهم، لأنه أشدّ عندهم من البرد. وقيل لأن البرد تقدم ذكر الامتنان بوقايته صريحا في قوله: وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها وفي قوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وفي قوله تعالى: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ.

ومن أمثلة هذا النوع: بِيَدِكَ الْخَيْرُ أى والشر، وإنما خص الخير بالذكر لأنه مطلوب العباد ومرغوبهم، أو لأنه أكثر وجودا في العالم، أو لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>