قلو قيل: لو كان هذا لوجب أن يكون حال الفصحاء الذين كانوا فى عصر النبى صلّى اللَّه عليه وسلم على طريقة واحدة فى إسلامهم عند سماعه.
قيل: لا يجب ذلك، لأن صوارفهم كانت كثيرة:
منها أنهم كانوا يشكّون.
ومنهم من يشك فى إثبات الصانع.
وفيهم من يشك فى التوحيد.
وفيهم من يشك فى النبوة. ألا ترى
أن أبا سفيان بن حرب لما جاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليسلم عام الفتح قال له النبى عليه الصلاة والسلام:«أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه؟ قال: بلى، فشهد، قال: أما آن لك أن تشهد أنى رسول اللَّه، قال: أما هذه ففى النفس منها شىء» .
فكانت وجوه شكوكهم مختلفة، وطرق شبههم متباينة.
فمنهم من قلت شبهه وتأمل الحجة حق تأملها ولم يستكبر فأسلم.
ومنهم من كبرت شبهه وأعرض عن تأمل الحجة حتى تأملها أو لم يكن فى البلاغة على حدود النهاية، فتطاول عليه الزمان إلى أن نظر واستبصر وراعى واعتبر، واحتاج إلى أن يتأمل عجز غيره عن الإتيان بمثله فلذلك وقف أمره.
ولو كانوا فى الفصاحة على مرتبة واحدة، وكانت صوارفهم وأسبابهم متفقة، لتوافقوا إلى القبول جملة واحدة.