وهذا من الخفيف لا يقع مقصودا إليه، وإنما يقع مغمورا فى الخطاب.
فكذلك حال السجع الذى يزعمونه ويقدرونه، ويقال لهم: لو كان وكما ضمنه فى شعره من قوله:
سبحان من سخر هذا لنا ... حقّا وما كنا له مقرنين
فزاد فيه حتى انتظم له الشعر.
وكما يقولونه فى قوله عز وجل: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً. فَالْمُورِياتِ قَدْحاً.
ونحو ذلك فى القرآن كثير، كقوله: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً. فَالْحامِلاتِ وِقْراً. فَالْجارِياتِ يُسْراً وهو عندهم شعر من بحر البسيط.
والجواب عن هذه الدعوى التى ادّعوها من وجوه.
أولها: أن الفصحاء منهم حين أورد عليهم القرآن لو كانوا يعتقدونه شعرا ولم يروه خارجا عن أساليب كلامهم لبادروا إلى معارضته، لأن الشعر مسخر لهم سهل عليهم فيه ما قد علمت من التصرّف العجيب والاقتدار اللطيف، فلما لم نرهم اشتغلوا بذلك ولا عوّلوا عليه علم أنهم لم يعتقدوا فيه شيئا مما يقدره الضعفاء فى الصنعة والمرمدون فى هذا الشأن.
وإنّ استدراك من يجىء الآن على فصحاء قريش وشعراء العرب قاطبة فى ذلك الزمان وبلغائهم وخطبائهم وزعمه أنه قد ظفر بشعر فى القرآن ذهب أولئك النفر عنه، وخفى عليهم شدة حاجاتهم إلى الطعن فى القرآن والغض عنه واتوصل إلى تكذيبه بكل ما قدروا عليه.
فلن يجوز أن يخفى على أولئك وأن يجهلوه ويعرفه من جاء الآن وهو بالجهل حقيق، وإذا كان كذلك علم أن الذى أجاب به العلماء عن هذا السؤال شديد، وهو أنهم قالوا: إن البيت الواحد وما كان على وزنه لا يكون شعرا، وأقل الشعر بيتان فصاعدا، وإلى ذلك ذهب أكثر أهل صناعة العربية من أهل الإسلام.
وقالوا أيضا: إن ما كان على وزن بيتين إلا أنه يختلف رويهما وقافيتهما فليس بشعر. (- ٢٣- الموسوعة القرآنية- ج ٢)