للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الأئمة وخاصةً المتقدمين منهم إنما يَرِدُون - في الغالب- مَوْردًا واحدًا ويصدرون مصدرًا واحدًا، وكلامهم يخرج من مشكاةٍ واحدةٍ، فإطلاق الواحد منهم يقيده تقييد غيره، وعموم كلام أحدهم يخصصه كلام أخيه.

ت وأمَّا وصف الذهبي فجوابه ما قاله هو في "السير"؛ حيث قال: لا يُحتجّ بقوله (عن) فيمن لم يدركه، وقد يدلِّس عمن لَقِيَه، ولكنَّه حافظٌ علَّامةٌ من بحور العلم.

ث وأمَّا الحافظ ابن حجر فقد ذكره في المرتبة الثانية من مراتب المدلّسين. وعليه فالذهبي، وابن حجر قد ذهبا إلى قبول عنعنة الحسن إذا روى عمَّن ثبت سماعه له في الجملة، وأنَّه إذا روى بالعنعنة عمن لم يدركه فلا يُحتجّ به لأنه يُرسل.

قلتُ: وللشيخ/ محمد عمرو عبد اللطيف كلام دقيق في تدليس الحسن - نقلًا عن "معجم المدلسين" أَذْكُرُ ملخصه لدقته وأهميته-، كالآتي:

١) أنَّ عنعنة الحسن ليس لها قاعدة مطردة تنطبق على جميع الحالات، بل تختلف من حالة لأخرى.

٢) أنّ من ثبت سماعه منه بإطلاقٍ كأنس بن مالك وغيره، لا يتوقف في عنعنته عنهم.

٣) أنَّ إطلاق وصف الحسن بالتدليس ليس بصواب، إلا إذا قَيَّدناه بالحسن عن سمرة، لأنه عنعن عنه كثيرًا، مع أنَّه لم يسمع منه إلا بضعة أحاديث، ففي هذه الحالة لابد من التصريح.

٤) ثُمَّ قال: والتحقيق أنَّ الحسن يُرسل، ولا يدلّس إلا في روايته عن سمرة، والتدليس الذي وُصف به الحسن معناه الإرسال الخفي، والمتقدّمون كثيرًا ما يُطلقون التدليس على الإرسال الخفي.

٥) وفي آخر كلامه قال: فالذي نخلص إليه أنَّ الحسن متى صَحَّ سماعه من صحابي في بعض الطرق فهذا كافٍ في الحكم على الحديث بالاتصال. أ. هـ

وملخص ما سبق ذكره: أنَّ وصف الحسن بالتدليس إما مقيد بروايته عن سمرة، أو محمولٌ على الإرسال الخفي، وأنَّ روايته بالعنعنة عمن ثبت له سماعه منه في الجملة فهي محمولة على الاتصال.

قلتُ: وعلى هذا عمل البخاري ومسلم في "صحيحيهما"، فلقد تتبعتُ روايات الحسن عندهما؛ فوجدتهما إذا أخرجا له عمن ثبت له سماعه منه في الجملة حَمَلَا عنعنته عنه على الاتصال كروايته عن أبي بَكْرَة - وسيأتي بيانها- وبعض هذه الروايات حين تتبعتُ طرقها لم أقف للحسن على طريقٍ منها صَرَّح فيه بسماعه من أبي بكرة؛ مِمَّا يُؤكد أنهما حملوا عنعنته عمن ثبت له سماعه منه في الجملة على السماع، أما من لم يسمع منه كأبي هريرة وغيره؛ فإما أن يُثْبِت الحسن الواسطة بينهما، وعلى هذا فلا إشكال، وإن رواه بالعنعنة فوجدتُ البخاري في غير موضع قَرَنَه بغيره، والله أعلم.

• بيان ثبوت سماع الحسن من أبي بكرة - رضي الله عنه -: ذهب يحيى بن معين، وابن أبي حاتم، والدَّارقطني إلى أنَّ الحسن لم يسمع من أبي بكرة - رضي الله عنه -. قلتُ: ويُجاب عن ذلك بما يلي:

١) أنه قد ثبت له سماعه منه في الجملة، فمن ذلك ما أخرجه البخاري في "صحيحه" عن الحسن، قال: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المِنْبَرِ وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>