وقفة مع الأحاديث التي ذكرها البغوي في "الجعديات" مِنْ طريق أبي مُعاوية العبَّاداني، وقال فيها: هو عِنْدِي سَعِيدُ بن زَرْبِيٍّ لأنَّ هذه الأحاديث حَدَّثَ بها سَعِيدُ بن زَرْبِيٍّ، وذكر أربعة أحاديث، وهي كالآتي: أخرج البغوي رواية الباب عن علي بن الجَعْد، عن أبي مُعاوية العبَّاداني كما سبق ذكره في التخريج. قلتُ: وبَيَّنتُ في التخريج أنَّ هذا الحديث رواه يزيد بن هارون، ومسلمٌ بن إبراهيم، وصالح بن مالك ثلاثتهم عن سَعيد بن زَرْبي عن أبي المليح، ولم يَذْكر أحدٌ مِنهم نسبته أو كنيته. وقد رواه علي بن الجعد وحده عن أبي مُعاوية العبَّاداني، وعليه فقد يُفهم مِن صَنيع الطبراني أنَّه يفَرِّق بين أبي مُعاوية العبَّاداني، وسعيد بن زَرْبي، حيث أخرج الحديث في "الأوسط" برواية علي بن الجعد عن أبي معاوية العبَّاداني عن أبي المليح، ثُمَّ قال: لم يَرو هذا الحديث عن أبي مُعاوية العبَّاداني إلا عليُّ بن الجَعْد. وأخرج الحديث أيضاً في "المعجم الكبير" (٤٩٨) مِن طريق مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن زَرْبي، فاعتبرهما راويان. ومِمَّا يؤكد ما ذهبت إليه مِن كون الطبراني يُفَرِّق بينهما أنَّه أخرج في "المعجم الأوسط" عِدَّة روايات مِن طريق سعيد بن زربي وذكره هكذا باسمه ولم يُكنِّه ولم يَنسبه، كما في الحديث رقم (٣٩٥٦ و ٧٦١٤ و ٨٨٧٧) لكنَّه في الموضع الثاني قال: الخزاعي. وذكر الموضع الأول في "الكبير" برقم (١٨/ ١٥٨/ ٣٤٦) وقال: سعيد بن زربي أبو عُبيدة الباجي. فمجموع ذلك عند الطبراني يدل على أنَّ سعيد بن زربي عنده هو أبو عُبيدة الباجي الخزاعي. وليس هو أبو مُعاوية العبَّاداني الذي يروي عنه علي بن الجعد. … قال البغوي: حدَّثنا عَلِيٌّ، أنَا أبو مُعَاوِيَةَ، عن حَمَّادٍ بن أبي سُليمان، عن إبراهيم النَّخعي، عن علقمة بن قيس، عن ابن مَسْعودٍ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ حُسْنَ الصَّوْتِ زِينَةُ الْقُرْآنِ». قلتُ: وهذا الحديث أخرجه البزار في "مسنده" (١٥٥٣)، وأبو بكر الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (٢٩٥٨) - ومِن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤١/ ١٧٣) -، وأبو سعيد الشَّاشي في "المسند" (٣١٨)، وابن عدي في "الكامل" (٤/ ٤٠٨)، والخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (٢/ ١٣٥)، خمستهم مِن طريق مُسْلم بن إبراهيم، وأخرجه الدُّولابي في "الكنى" (١٥٤٢)، والطبراني في "الكبير" (١٠٠٢٣) - ومِن طريقه أبو نُعيم في "الأربعون على مذهب المتحققين مِن الصوفية" (٥٦) -، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤١/ ١٧٣) ثلاثتهم مِن طريق أبي صالح عبد الغفار بن داود الحرَّاني، وأبو نُعيم في "الحلية" (٤/ ٢٣٥ - ٢٣٦) مِن طريق أبي ربيعة زيد بن عوف، ثلاثتهم (مسلم بن إبراهيم، والحرَّاني، وزيد بن عوف) قالوا: عن سَعيد بن زَرْبي، إلا في رواية أبي صالح الحرَّاني فإنَّه جمع بين الاسم والكنية، وكنَّاه بأبي عُبيدة. وقال البزار: وهذا الحديثُ لا نعلم رواه عن حَمَّادٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عَبْدِ اللَّهِ إلا سعيدُ بنُ زَرْبِيٍّ، وسَعِيدُ بنُ زَرْبِيٍّ هذا ليس بالقَوِيِّ. وقال الخطيب البغدادي: وسعيد بن زربي هو أبو مُعاوية العبَّاداني الذي روى عنه علي بن الجعد هذا الحديث. بينما أخرجه أبو نُعيم في "الأربعون على مذهب المتحققين مِن الصوفية" (٥٦) مِن طريقين، فقال: حدَّثنا سُليمان بن أحمد، عن يحيى بن أيوب العلاف، عن عبد الغفَّار بن داود الحرَّاني، عن أبي عُبَيْدة سعيد بن زربي - وهو الطريق السابق ذكره - (ح)، وحدَّثنا سُليمان بن أحمد، عن أحمد بن القاسم بن مُساور، عن عليِّ بن الجعد، عن أبي مُعاوية العبَّاداني، قالا (سعيد بن زربي، وأبو مُعاوية العبَّاداني) حدَّثنا حمَّاد، به. لكن أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤١/ ١٧٣ - ١٧٤) بسنده مِن طريق الدَّارقطني، والخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (٢/ ١٣٥) عن أبي القاسم البغوي عن علي بن الجعد عن أبي مُعاوية العبَّاداني، به، وقال الدَّارقطني: غريبٌ مِن حديث حَمَّاد عن إبراهيم، تَفَرَّد به أبو مُعاوية العبَّاداني وهو سَعيد بن زَرْبي عنه بهذه الألفاظ. ويُنظر: "أطراف الغرائب والأفراد" (٢/ ٢٦). وسبق ذكر كلام الخطيب بأنَّ أبا معاوية العبَّاداني هو سعيد بن زربي.