للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإعراب:

٤ - قوله: "إلى الحول": جار ومجرور يتعلق بقوله: "وقولا بالذي تعلمانه" لأن المعنى: اذكراني بعدي بالذي تعلمانه فيّ من الشفقة والإحسان إليكما ثم ابكيا على إلى الحول، ولا بد من تقدير: ابكيا بقرينة.

٢ - قوله: "ولا تخمشا وجهًا ولا تحلقا شعر" وذلك أن النهي عن خمش الوجه وحلق الشعر لا يكون إلَّا في البكاء، فأمرهما بالبكاء عليه بدون هذين؛ لأن البكاء على الميت يباح إذا لم يكن فيه خمش وجه وحلق شعر ولطم خد ونحو ذلك.

فإن قلت: فما معنى تقدير الحول؟

قلت: لأن الزمان ساعات وأيام وجُمَع وشهور وسنون، [والسنون] (١) هي النهاية، فكأنه أمرهما بالقول بما فيه والبكاء عليه إلى مدة هي نهاية الزمان في التقسيم إلى أجزائه.

ويمكن أن يكون لبيد قد نظر في ذلك إلى ما روي في بعض الآثار أن أرواح الموتى لا تنقطع من التردد إلى منازلهم في الدنيا إلى سنة كاملة، ثم بعد سنة ترتفع وتنقطع عن الدنيا.

فكأنه قصد بذلك أن تذكرانه وتبكيان عليه في هذه المدة ليشاهد ذلك عنهما بعين الحال، فلذلك قال:

........................... … وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَاملًا فَقَدْ اعْتَذَرْ

وقد قيل: إن هذه المدة كانت عزاء الجاهلية وقد أبطلها الشرع.

قلتُ: هذا إنما يتمشى أن لو كان لبيد قال هذا في الجاهلية، ولم يقل لبيد هذا إلَّا في الإِسلام؛ لأنه إنما قاله قبيل موته حين دنت وفاته، وأكثر شراح هذا البيت قد خَبَّطُوا ها هنا، ولا سيما بعض من شراح أبيات كتاب الزمخشري (٢)، فقد رووا قبل قوله: "إلى الحول" بكيت، وقالوا: يخاطب الشَّاعر خليليه بقوله: بكيت إلى سنة من فراقكما ثم سلمت عليكما، ومن يبك سنة فهو معذور لو ترك البكاء، وذهلوا عن الأبيات التي تقدمت عليه وتكلفوا في معناها هذا التكليف، وليس الأمر كذلك وإنما هو مثل الذي ذكرناه.

قوله: "ثم اسم السلام عليكما": كناية عن الأمر بترك ما كان أمرهما به من القول بما فيه والبكاء عليه إلى سنة للمعنى الذي ذكرناه؛ ألا ترى أن رجلًا إذا كان في حديث مع أحد ثم


(١) ما بين المعقوفين سقط في (ب).
(٢) ينظر المفصل للزمخشري (٩٣)، وابن يعيش والتعليقات عليه (٣/ ١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>