"قوله: "أقوت": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه، الذي يرجع إلى دار مية ومحلها النصب على الحال بتقدير: قد؛ كما في قوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ [النساء: ٩٠] أي: قد حصرت".
ولا يسأم العيني وهو يعرب البيت من ذكر أكثر من وجه في إعراب الكلمة، أو توضيح مسألة نحوية جاءت عرضًا، وهو يعرب البيت، وقد جاءت إعراباته كلها صحيحة إلَّا ما نبهنا عليه أثناء التحقيق، أو نبه عليه الإمام عبد القادر أو غيره، وهو نزر يسير.
[حادي عشر: ذكر وجه الاستشهاد]
وذكر وجه الاستشهاد هو الهدف من تأليف كتب الشواهد بعد تمامه، أو أن ذكر البيت ووجه الاستشهاد هو النتيجة الحتمية للقاعدة النحوية، من هنا عني به شراح الشواهد معللين سبب مجيء البيت، وهل طابق القاعدة فيحكم عليه بالصحة، أو خالفها فيحكم عليه بالضرورة، وهكذا.
وقد عني العيني بذكر وجه الاستشهاد في كل بيت، وتوضيحه للقارئ، ولا يكتفي بذلك؛ بل يذكر الخلافات الواردة في وجه الاستشهاد، والآراء الأخرى في ذلك، يقول في هذا البيت (١):
"الاستشهاد فيه في قوله: "يا أبات" حيث زاد فيه التاء؛ لأنَّ أصله: يا أبا بالقصر، ولو لم يُعَوِّض لقال: يا أباي؛ كما يقال: يا فتاي، وقال الفارسي: ردَّ اللام وقلبها ألفًا كما تقلب في: قطاة ونحو ذلك، قال ابن سيده: وذهب أبو عثمان المازني في قراءة من قرأ: ﴿يَاأَبَتِ﴾ [مريم: ٤٣]، بفتح التاء إلى أنَّه أراد: يا أبتاه، فحذف الألف وأراد: يا أبتا، فقدم الألف وأخر الياء، وقال أبو حيان: وزعم بعض رواة اللغة من البغداديين أن قول الشاعر:
......................... … ....... يا أبات .................
إنما أراد: يا أبتي فقلب، وهذا ممتنع بعيد؛ لأنَّه يلزم على هذا أن تكون تاء التأنيث قد لحقت بعد الياء التي هي اسم المتكلم، وهذا لا يجوز ولم يوجد في موضع، ومع ذلك فإن التاء في: يا أبت في تقدير الإضافة، وقال أبو حيان: والأصل في مثل هذا البيت تخريجه على الإشباع؛ كما قال الراجز:
(١) ينظر الشاهد رقم (٩٥٢) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.