للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا كانت رؤية البصر فلا تقتضي حينئذ إلا مفعولًا واحدًا كما قد عرف في موضعه فافهم (١).

الشاهد السادس والعشرون بعد الثلاثمائة (٢)، (٣)

دُرِيتَ الوَفِيّ العهدَ يا عُرْوَ فاغتَبطْ … فَإنَّ اغْتِبَاطًا بالوَفَاءِ حَمِيدُ

أقول: هو من الطويل.

قوله: "دريت الوفي" على صيغة المجهول، من درى يدري إذا علم، قوله: "فاغتبط" بالغين المعجمة؛ من الغبطة وهي أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه وليس بحسد (٤)، تقول منه: غبطه بما نال أغبطه، من باب: حسب يحسب، غبطًا وغبطةً فاغتبط هو؛ كقولك: منعته فامتنع وحبسته فاحتبس، ويقال: الغبطة: حسن الحال، قوله: "حميد" يعني: محمود.

الإعراب:

قوله: "دريت": يقتضي مفعولين، الأول: هو التاء التي نابت مناب الفاعل، والمفعول الثاني هو قوله: "الوفي".

فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون الوفي حالًا؟

قلت: لا يجوز لتعريفه، ويجوز في "العهد" الخفض بالإضافة والنصب على التشبيه بالمفعول به والرفع على الفاعلية، وتقدير الضمير أي: العهد منه أو إنابة اللام عنه أي: عهده، وأرجحها الخفض وأضعفها الرفع، قوله: "يا عرو" منادى مرخم؛ أي؛ عروة، قوله: "فاغتبط": جملة من الفعل والفاعل وهو أنت المستتر فيه، وهو في الحقيقة جواب شرط محذوف؛ أي: إذا أُعلمت وفي العهد فاغتبط.

قوله: "فإن اغتباطًا" الفاء للتعليل، و "اغتباطًا" اسم إن، وخبره قوله: "حميد"، وقوله: "بالوفاء" يتعلق به أي: بوفاء العهد، يعني: الوفاء مطلوب محمود؛ لأنه يحث على الازدياد منه،


(١) من الأفعال التي تنصب مفعولين: رأى إذا كانت بمعنى الظن أو اليقين، أما إذا كانت الرؤية من رؤية البصر فلا تقتضي إلا مفعولًا واحدًا، قال ابن مالك: "ومن المستعمل للظن واليقين رأى كقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦) وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ [المعارج: ٦، ٧] … ثم ذكر البيت وقال: ويقال: رأيت الشيء بمعنى أبصرته، ورأيت رأي فلان بمعنى اعتقدته، ورأيت الصيد بمعنى أحببته في رؤيته فهذه متعدية إلى واحد"، ينظر شرح التسهيل لابن مالك (٢/ ٨١)، وابن يعيش (٧/ ٨١، ٨٢).
(٢) ينظر ابن الناظم (٧٤)، وأوضح المسالك (٢/ ٣٣)، وشرح ابن عقيل (٢/ ٣١).
(٣) البيت من بحر الطويل، لم ينسبه العيني إلى قائله، وهو غير منسوب في: الدرر (٢/ ٢٤٥) وشرح التصريح (١/ ٢٤٧)، وأوضح المسالك (٢/ ٣١)، وشرح شذور الذهب (٢٦٦)، وشرح قطر الندى (١٧١)، وهمع الهوامع للسيوطي (١/ ١٤٩)، وشرح التسهيل لابن مالك (٢/ ٧٩).
(٤) راجع الفروق في اللغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>