للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرق أييات الحنين إلى الوطن، يقول في أولها:

١ - أحَقًّا عِبَادَ الله أَن لَسْتُ نَاظِرًا … إِلى قَرقَرَى يَومًا وَأَعْلامِهَا الغُبرِ

٢ - كَأَنَّ فُؤَادِي كُلَّمَا مَرَّ رَاكِبٌ … جناحُ غُرابٍ رَامَ نهضًا إِلَى وَكْرِ

ثالثًا: كثرة المسائل النحوية والصرفية في الكتاب:

يعد العيني فارسًا من فرسان النحو والصرف بله الأدب، ما يشهد على ذلك كتاب المقاصد، حيث لم يترك العيني شيئًا من النحو في البيت الذي يشرحه إلَّا وقد أتى عليه وشرحه واجتهد في شرحه، ولا يترك شاردة ولا واردة في الإعراب إلَّا وقد أتى عليها ما يريد جلاء الحقيقة ووضوح اللبس، وفي اعتقادي أن العيني يفوق الإمام عبد القادر البغدادي في هذه الناحية، فإذا كان الإمام عبد القادر يفوق العيني في الأدب، فإن العيني يفوق البغدادي في النحو، ولا أدل على ذلك من هذا البيت، وهو قول امرئ القيس (١):

فلَوْ أنَّ مَا أسعَى لأدْنَى مَعِيشَةٍ … كَفَانِي وَلَم أطْلُبْ قَلِيل مِنَ المالِ

فقد انتشر هذا البيت في كتب النحاة، وكثر كلامهم فيه، كما كثر كلام العيني؛ حيث تكلم فيه صفحتين طويلتين، بينما ذكره الإمام عبد القادر، ولم يتكلم فيه بشيء إلَّا قوله: "هذا بيت من باب التنازع، وقد بينه الشارح المحقق، وأصله من إيضاح ابن الحاجب".

ثم ملأ الإمام البغدادي في البيت عشر صفحات في كتابه الخزانة، كانت كلها في كلام في الأدب، وليس فيها كلمة واحدة في النحو.

أما العيني -كما قلنا- فقد أتى على البيت وصال وجال، وبين معنى لو، وذكر أن هذا البيت يحتمل أن يكون من باب التنازع، وألا يكون، ثم مضى يبين ذلك مطولًا ومفصلًا.

وكان شرح العيني لمفردات الشاهد وبيان معانيها يدعوه لأنَّ يتعرض لمسائل صرفية دقيقة، فكان يذكر باب الماضي مع المضارع في كثير من الأفعال، وإذا كان للمضارع بابان ذكرهما أيضًا، انظر إليه، وهو يشرح هذا الشاهد (٢):

يا رُبّ يومٍ لي لا أُظَلَّلُهْ … أُرْمَضُ مِن تحتُ وأُضْحَى مِنْ عَلُهْ

يقول: "وأُضحى" على صيغة المجهول -أيضًا- من ضحيت الشَّمس ضحاء ممدودًا، إذا برزت، وضحت ضحاء بالفتح مثله، والمستقبل أضحى في اللغتين جميعًا".


(١) الشاهد رقم (٤٣٨) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.
(٢) انظر الشاهد رقم (١٢٢٠) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

<<  <  ج: ص:  >  >>