للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شعاعه فأعمل الأول- أعني: يغشي، وأضمر في الثاني- أعني: لمحوا؛ إذ أصله: لمحوه على أن فيه تهيئة للعمل في شعاعه، ولكنه قطع عن ذلك بإعمال يعشي فيه وليس فيه إعمال ضعيف دون قوي.

قولها: "إذا" للمفاجأة، و "هم": مبتدأ، و "لمحوا": خبره، وإذا التي للمفاجأة لا تحتاج إلى جواب ولا تقع في الابتداء ومعناها الحال لا الاستقبال (١).

الاستشهاد فيه:

في قولها: "لمحوا" أصله: لمحوه فحذف الضمير ضرورة، بيان ذلك أن المتنازعين إذا أعمل أولهما، يضمر في الثاني؛ نحو: ضربني وضربته زيد، ومرَّ بي ومررت به زيد، فلا يجوز الحذف، فلا تقول: ضربني وضربت زيد، ومرَّ بي ومررت زيد، خلافًا لقوم ما يجيزون حذف غير المرفوع، واحتجوا بالبيت المذكور، والجواب عنه أنه ضرورة؛ كما ذكرناه (٢).

الشاهد الثاني والثلاثون بعد الأربعمائة (٣)، (٤)

جَفَونِي ولم أَجفُ الأخِلَّاءَ إِنَّنِي … لِغَيرِ جَمِيلٍ مِن خَلِيلَي مُهْمِلُ

أقول: أنشده الفراء وغيره ولم يعزوه إلى أحد (٥)، وهو من الطويل.

قوله: "جفوني": من الجفاء، وهو خلاف البر، وقد جفوت الرجل أجفوه جفاءً فهو مجفوٌّ، ولا يقال: جفيت. و: "الأخلاء": جمع خليل، و "الجميل" الشيء الحسن؛ من الجمال وهو الحسن، و "مهمل" اسم فاعل من الإهمال وهو الترك، يقال: أهملت الشيء إذا خليت بينه


(١) ينظر الجنى الداني (٣٧٣).
(٢) إذا كان الطالب للاسم المتنازع عليه المنصوب هو العامل الثاني وجب الإضمار، وذلك نحو: ضربني وضربته زيد، ومرَّ بي ومررت به زيد، وحذف الضمير قال به بعضهم جوازًا في السعة والاختيار ومنهم المرادي والسيوطي. وذلك لأن هذا الضمير فضلة، والفضلة يجوز حذفها. وقال بعضهم بعدم جواز الحذف إلا في الضرورة الشعرية. وهو مذهب الجمهور، وذلك من قِبل أن ذِكره لا يترتب عليه محظور الإضمار قبل الذكر. وفي حذفه فساد تهيئة العامل للعمل، ثم قطعه عنه من غير علة ولا سبب موجب له. قال أبو حيان: "وإذا أعملت الأول، فإما أن يكون الثاني طالب مرفوع أو منصوب أو مجرور، إن كان طالب منصوب أو مجرور فالمنقول عن البصريين والكوفيين جواز الحذف على اختلاف بينهم، قال في المقنع: تقول: ضربني وضربتهم قومك، هذا لا خلاف فيه". الارتشاف (٣/ ٩١)، وينظر ابن الناظم (٢٥٧)، وقال السيوطي: "إذا كان الثاني غير رافع يضمر فيه إذا أعمل الأول اختيارًا في الأصح نحو: قام أو ضربني وضربته زيد، وقام أو ضربني وضربتهما الزيدان، وقيل: يجوز حذفه كقوله: (البيت) أي: لمحوه، وأجيب بأنه ضرورة". الهمع (٢/ ١٠٩).
(٣) ابن الناظم (١٠٠)، وتوضيح المقاصد (٢/ ٦٩)، وأوضح المسالك (٢/ ٢٨).
(٤) البيت من بحر الطويل، وهو لقائل مجهول، يدعو فيه إلى الأخلاق المالية والتعامل الحسن، وانظره في شرح التسهيل لابن مالك (٢/ ١٧٠)، والأشموني (٢/ ٧٦)، والتصريح (١/ ٣٢١)، والمساعد (١/ ١١٤).
(٥) في (أ): إلى قائله.

<<  <  ج: ص:  >  >>