للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستمر قائلًا: "الهاء في "من عله" مشكلة؛ لأنها لا تخلو من أن تكون ضميرًا، أو هاء سكت، فلو كانت هاء الضمير لوجب أن يقال: من عله بالجر؛ لأنَّ الظرف لا يبنى في حال إضافته، ولا تكون هاء السكت؛ لأنَّ هاء السكت لا تدخل معها حركة بناء تشبه حركة المعرب، ولذلك لا تدخل على الماضي لمضارعته المضارع، وحركة هذا الضرب من المبنيات تجري مجرى حركة المعرب ثم ذكر أن الهاء بدل من الواو، والأصل: علو".

وهكذا لا تقابله مسألة نحوية أو صرفية إلَّا ذكرها وبينها وعللها.

رابعًا: ضبط كلمات البيت ضبطًا تامًّا:

عني العيني بالضبط الصَّحيح للكلمات ضبطًا تامًّا بالحروف والصورة والشكل حتَّى لا تلتبس بغيرها، فيقول: "الشيمة" بكسر الشين المعجمة، و "الأريب" بفتح الهمزة، وكسر الراء، وشاحبًا بالشين المعجمة، والحاء المهملة، والباء الموحدة: من شحب لونه يشحب، إذا تغير فهو شاحب، ولا يترك القارئ يتخبط في الكلمة وضبطها ونطقها، وهو شيء محمود.

وفي الشاهد السابق، وهو قوله (١):

يا رُبّ يوم لي لا أُظَلَّلُهْ … أُرْمَضُ مِن تحتُ وأُضحَي مِنْ عَلُه

يقول: "لا أظلله" على صيغة المجهول من الظل، و "أُرمض" على صيغة المجهول أيضًا، و "تحت" أصله: من تحتي بالإضافة إلى ياء المتكلم، فلما قُطع عن الإضافة بُني على الضم، و "عله" بضم اللام وفتح العين وسكون الهاء.

وهكذا لا يترك القارئ يحار في النطق، وإنما يوضح له ويبين له النطق الصَّحيح لكلمات البيت، وهو ممَّا يدل على الدقة في العلم.

خامسًا: لا يثق إلَّا في نفسه، وفيما تراه عينه:

كان العيني دقيقًا في أحكامه لا يقبل كل ما كتب، وكل ما جاء من غيره، وإنما يتحرى بنفسه، ويبحث عن الحقيقة بحسه، انظر إليه وهو يشرح هذا البيت (٢):

فَبَكَى بَنَاتي شَجوهُنَّ وَزَوجَتي … وَالطَّامِعُونَ إِليَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا

ثم يقول: "أقول: قيل: إن قائله هو أبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي، من قصيدته


(١) انظر الشاهد رقم (١٢٢٠) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.
(٢) الشاهد رقم (٣٩٠) من شواهد هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>