للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائتين (١)، (٢)

وَمَا حَقُّ الَّذِي يْعتُو نَهَارًا … وَيَسْرِقُ لَيْلَهُ إلا نَكَالًا

أقول: قائله هو مغلس بن لقيط بن حبيب بن خالد بن نضلة الأسدي شاعر جاهلي (٣).

وهو من الوافر.

قوله: "يعتو": من عتا إذا استكبر يعتو عتوًّا وعُتِيًّا وعِتيًّا -بضم العين وكسرها فهو عاتٍ، وقوم عُتي، ويقال: معناه: يتجاوز الحد، ويشهد له قوله تعالى: ﴿وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ [الأعراف: ٧٧]، وقال الزمخشري: يتجاوز الحد في الظلم (٤)، ويشهد له قوله تعالى: ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٢١]، والعطف يؤذن بالمغايرة، قوله: "إلا نكالًا" بفتح النون؛ وهو العذاب، وأصله من النكل -بكسر النون وهو القيد.

الإعراب:

قوله: "وما": كلمة ما نافية، ولكن انتقض نفيها بإلا، قوله: "حق الذي": كلام إضافي اسم لما، وقوله: "يعتو": صلة الموصول، و"نهارًا": نصب على الظرف، قوله: "يسرق" عطف على قوله يعتو، قوله: "ليله" نصب على الظرف، وقوله: "إلا نكالًا"؛ خبر ما، وقد عمل "ما" ها هنا مع انتقاض نفيه بإلا، وفيه الاستشهاد: اذ لو لم يعمل لقيل: نكال بالرفع؛ حُكي ذلك عن يونس وغيره (٥)، وتأوله الجمهور على أن أصل نكالًا: نكالان ولكن حذفت نونه للضرورة.

والمعنى: إلا نكالان؛ نكال لعتوه ونكال لسرقته؛ فعلى هذا لم تعمل "ما" فيه شيئًا لبطلان معناها بإلا.

ويقال: أصله: إلا أن ينكل نكالًا؛ فالنصب على المصدرية لا على الخبرية، ونظيره: ما زيد إلا سيرًا؛ أي: إلا يسير سيرًا، وفيه نظر؛ لأن فيه اضمار أن المصدرية وصلتها وإبقاء معمول


(١) ابن الناظم (٥٦).
(٢) البيت من بحر الوافر وهو لمغلس بن لقيط الأسدي، وينظر البيت في تخليص الشواهد (٢٨٢)، والجني الداني (٣٢٥)، وبلا نسبة في الدرر (٢/ ١٠٠)، والهمع (١/ ١٢٣)، والمعجم المفصل (٦٤١).
(٣) ينظر ترجمته في معجم الشعراء (٣٠٨).
(٤) ينظر الكشاف (٣/ ٨٨).
(٥) إذا انتقض خبر (ما) بإلا فالغالب إهمالها ويندر إعمالها، ينظر الشاهد رقم (٢١٨) وإعمال (ما) مع انتقاض الخبر بإلا هو قول يونس. يقول ابن مالك: "وروي عن يونس من غير طريق سيبويه إعمال (ما) في الخبر الموجب بإلا". شرح التسهيل لابن مالك (١/ ٣٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>