للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأخيره عن المفعول؛ كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨] (١)، قلت: قرأ بعضهم: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ﴾ برفع لفظة الله ونصب العلماء (٢)، وهو مما يؤيد كلام الكسائي فافهم (٣).

فإن قلتَ: كيف يكون المعنى على هذه القراءة؟

قلتُ: هي من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم والمعنى: إنما يعظم الله من عباده العلماء؛ لأن الخشية من لوازمها التعظيم. فافهم.

الشاهد الأول بعد الأربعمائة (٤)، (٥)

نُبِّئتُهُم عَذَّبُوا بالنَّارِ جَارَهُمْ … وهل يُعَذِّبُ إلا اللهُ بِالنَّارِ

أقول: احتج به الكسائي ولم يعزه إلى أحد.

وهو من البسيط.

قوله: "نبئتهم" على صيغة المجهول بمعنى أخبرتهم، والجار هو الذي أجرته من أن يظلمه ظالم، والجار هو الذي يجاورك -أيضًا- وأصله واوي.

الإعراب:

قوله: "نبئتهم": يقتضي ثلاثة مفاعيل: الأول: التاء التي نابت عن الفاعل، والثاني: الضمير المنصوب وهو هم، والثالث: جارهم، والباء في: "بالنار" تتعلق بقوله: "عذبوا"، قوله: "هل": للنفي، و"إلا": بمعنى غير، أي: ما يعذب أحد بالنار غير الله.


(١) قال ابن مالك: "وإن كان مرفوع الفعل محصورًا وجب تأخيره وتقديم المنصوب عند البصريين والكوفيين إلا الكسائي، ويستوي في ذلك المضمر والظاهر؛ فالمضمر كقوله تعالى: ﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلا هُوَ﴾ [الأعراف: ١٨٧] والظاهر نحو: لا يصرف السوء إلا الله، فلو قلت: لا يصرف إلا الله السوءَ امتنع عند غير الكسائي، فلو كان الحصر في غير المرفوع لزم أيضًا تأخير المحصور إلا عند الكسائي وأبي بكر بن الأنباري نحو: لا يرحم الله إلا الرحماء، فلو قلت: لا يرحم إلا الله الرحماء لم يجز إلا عندهما". شرح التسهيل لابن مالك (٢/ ١٣٤) وينظر الارتشاف (٢/ ٢٠٠).
(٢) ينظر القراءة في القرطبي (٥٤٢٦)، طبعة دار الشعب.
(٣) القراءة ليس لا علاقة لها برأي الكسائي؛ فالقراءة فيها حصر الفاعل في المفعول، وقد تأخر المفعول، فهو في مكانه، وأما الكسائي فيجوز تقديم المقترن بإلا فاعلًا أو مفعولًا على غيره خلافًا للجمهور الذي يوجب تأخيره.
(٤) أوضح المسالك (٢/ ١٣٠).
(٥) البيت من بحر البسيط، غير منسوب في مراجعه، وهو في شرح التصريح (١/ ٢٨٤)، وتذكرة النحاة (٣٣٥)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>