للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قيل في قوله تعالى: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ [ق: ١٧]: إن المراد قعيدانْ ثم كلامه يوهم أن ذلك يقال بالقياس، وليس كذلك، وإنما المانع في البيت من أن يكون غريب خبرًا عن الاسمين هو لزوم توارد عاملين على الخبر وإنما يصح هذا على رأي الكوفيين (١).

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وإني وقيار" استشهد به الكسائي والفراء؛ حيث عطف قيار على محل اسم إن في قوله: "وإني" والمحققون على أنه مرفوع بالابتداء وخبره محذوف (٢).

الشاهد الخامس بعد الثلاثمائة (٣) , (٤)

يا ليتَني وأَنْتِ يا لَميسُ … في بلدٍ لَيسَ بِهِ أَنِيسُ

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز المسدس.

قوله: "لميس" بفتح اللام وكسر الميم بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وفي آخره سين مهملة وهو اسم امرأة، قوله: "أنيس" أي: مؤنس، ويقال: ليس في بلد أنيس؛ أي: أحد.

الإعراب:

قوله: "يا ليتني" يا: حرف نداء، ولكنه ها هنا لمجرد التنبيه لدخوله على ما لا يصلح للنداء، ويقال: النداء على حقيقته، والمنادى محذوف وتقديره: يا نفسي ليتني، وفي: اسم ليت، وخبره قوله: "في بلد" وقوله: "وأنت" الواو فيه للحال، وأنت: مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: وأنت معي يا لميس، "ولميس": منادى مفرد مبني على الضم، وقوله: "ليس به أنيس": جملة


(١) ينظر ابن يعيش (٨/ ٦٩).
(٢) العطف على الموضع قبل تمام الخبر لا يجوز لأنه حمل على التأويل، ولا يصح تأويل الكلام إلا بعد تمامه، فيجوز: إن زيدًا وعمرًا منطلقان، ولا يجوز الرفع في عمرو بالعطف على الموضع لأن الكلام لم يتم؛ إذ الخبر متأخر عن الاسم المعطوف، ولكن لو قلت: إن زيدًا وعمرو منطلقان جاز على التقديم والتأخير كأنك قلت: إن زيدًا منطلق وعمرو ومثله البيت والتقديرُ: فإني لغريب بها وقيار أيضًا، وهذا رأي سيبويه والمحققين وأجاز الكسائي رفع المعطوف بعد (إن) قبل الخبر مطلقًا فيجيز: إن زيدًا وعمرو قائمان، وانك وزيد ذاهبان، ووافقه الفراء إن خفي إعراب الاسم نحو: إنك وزيد ذاهبان، واستدلا بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [المائدة: ٦٩] فالصابئون رفع بالعطف على موضع (إن) ولم يأت بالخبر وضعف هذان المذهبان.
ينظر ابن يعيش (٨/ ٦٨، ٦٩)، وشرح التسهيل لابن مالك (٢/ ٥١)، والكتاب (٢/ ١٥٦)، والمغني (٤٧٤، ٤٧٥).
(٣) أوضح المسالك لابن هشام (١/ ٣٦٤).
(٤) البيت من بحر الرجز للحجاج كما هو في الدرر (٦/ ١٨٧)، والتصريح (١/ ٢٣٠) وليس في ديوانه، وقد نسب لرؤبة وهو في ملحق ديوانه (١٧٦)، وانظره في مجالس ثعلب (١/ ٣١٦)، والهمع (٢/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>