للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرزدق في الأصل [قيل] (١): قطع العجين، واحدتها فرزدقة، لقب بذلك؛ لأنه كان جهم الوجه، وقيل: لقب به لغلظه (٢) وقصره، شبه بالفتيتة التي تشربها النساء وهي الفرزدقة، والقول الأول أصح؛ لأنه أصابه جدري في وجهه ثم برئ منه فبقي وجهه جهمًا متغضبًا (٣)، ويروى أن رجلًا قال له: يا أبا فراس كأن وجهك أحراح مجموعة، فقال: تأمل هل ترى فيها حر أمك، والأحراح: جمع حرح؛ وهو الفرج فحذفت في المفرد حاؤه الثانية فبقي حرًّا، ومتى جمعت عادت الحاء؛ لأن الجمع يرد الأشياء إلى أصولها (٤)، وقبل البيت المذكور بيت آخر هو قوله (٥):

يا أرغم الله أنفًا أنت (٦) حامله … يا ذا الخنا ومقال الزور والخَطل

والأصل في ذلك ما حدثه الكلبي أن رجلًا من بني عذرة دخل على عبد الملك بن مروان (٧) يمدحه، وعنده جرير والفرزدق والأخطل فلم يعرفهم الأعرابي، فقال له عبد الملك: هل تعرف أهجى بيت في الإسلام؟، قال: نعم، قول جرير (٨):

فَغُضِّ الطَّرفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ … فَلا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلا كِلابًا

فقال: أحسنت، فهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم قول جرير (٩):

أَلَسْتُمْ خَيرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا … وَأَنْدَى الْعَالمِينَ بُطُونَ رَاحِ

فقال: أصبت وأحسنت، فهل تعرف أرق بيت قالته العرب في الإسلام؟ قال: نعم قول جرير (١٠):

إِنَّ العُيُونَ التي في طَرْفِهَا مَرَضٌ … قَتَلْنَنَا ثُمَّ لم (١١) يُحْيِينَ قَتْلانا

فقال: أحسنت، فهل تعرف جريرًا؟ قال: لا والله، وإني لرؤيته مشتاق، فقال: هذا جرير،


(١) سقط في (ب).
(٢) في (أ): لقب بغلظه.
(٣) متغضنًا.
(٤) ينظر الكتاب لسيبويه (٣/ ٣٢٢).
(٥) لم أعثر عليه في الديوان مع طبعاته الكثيرة.
(٦) في (ب): أنه.
(٧) هو عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، نشأ في المدينة واستعمله معاوية عليها، وكان جبارًا على معانديه قوي الهيبة، ولد سنة (٢٣ هـ) (ت ٨٦ هـ). الأعلام (٤/ ١٦٥).
(٨) البيت من بحر الوافر، الديوان (٦١) "شرح مهدي محمد ناصر" والخزانة (١/ ٧٢ - ٧٤) والورد (٦/ ٣٢٢) وابن يعيش (٩/ ١٢٨) والمقتضب بلا نسبة (١/ ١٨٥) والكتاب (٣/ ٥٣٣).
(٩) البيت من بحر الوافر في ديوان جرير (٧٤)، وينظر طبقات فحول الشعراء (٢/ ٣٧٩)، وشرح شواهد المغني (٤٢)، وابن يعيش (٨/ ١٢٣)، والمقتضب (٣/ ٢٩٢).
(١٠) من بحر البسيط، الديوان (٤٥٢) وروايته. "في طرفها حَوَرٌ". وينظر طبقات فحول الشعراء (٢/ ٣٧٩) والمقتضب (٢/ ١٧٣) وشرح شواهد المغني (٢/ ٧١٢) وابن يعيش (٥/ ٩).
(١١) سقط في (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>