للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بمستلئم" فإن الأخفش والكوفيين استدلوا به على جواز إبدال الظاهر من ضمير الحاضر (١)، فإن قوله: "بمستلئم" ظاهر أبدل من قوله: "بي" وهو ضمير الحاضر؛ فعلى هذا يجوز أن يقال: قمت زيد، بأن يكون زيد بدلًا من الضمير الذي في قمت، ولا دليل فيه لجواز أن يكون هذا من باب التجريد كقوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ﴾ [فصلت: ٢٨] فإن جهنم دار الخلد ولكن جرد منها دار أخرى، وجعلت النار هي دار الخلد مبالغة، فكذلك الياء في قوله:

"بي" هي نفس المستلئم، ولكنه جرد من نفسه ذاتًا وصفها بذلك.

فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فما يكون محل مستلئم من الإعراب؟

قلت: الحال من الضمير في "بي" فافهم.

والتجريد (٢): هو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثله في تلك الصفة مبالغة في كمالها، وهو على أنواع منها نحو قولهم: لي من فلان صديق حميم، أي: بلغ من الصداقة حدًّا صح معه أن يستخلص منه صديق آخر، ومنها نحو قولهم: لئن سألت لتسألن به البحر، ونحو قوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ﴾ فإن جهنم هي دار الخلد؛ لكن انتزع منها مثلها وجعلها معدًّا للكفار تهويلًا لأمرها، ومنها مخاطبة الإنسان غيره وهو يريد نفسه كقول الأعشى (٣):

وَدِّعْ هَرَيْرَةَ إن الرَّكْبَ مُرتَحِلٌ … وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعًا أيُّهَا الرَّجُلُ (٤)


(١) ينظر شرح الأشموني (٣/ ١٢٩)، وتوضيح المقاصد (٣/ ٢٥٩، ٢٦٠)، وشرح التسهيل لابن مالك (٣/ ٣٣٤).
(٢) ينظر في هذا التعريف وأنواعه: كتاب الإيضاح في علوم البلاغة للقزويني (٣٧٤، ٣٧٥)، وجواهر البلاغة للسيد الهاشمي (٢٩٨، ٢٩٩).
(٣) البيت من البسيط، وهو مطلع قصيدة طويلة للأعشى قالها في يزيد بن مسهر الشيباني، وقد بدأها بالغزل، وهي في ديوانه (٢٧٨) د. حنا الحتي، و (١٤٤) ط. دار صادر، والبيت أتى به العيني لبيان معنى بلاغي وهو التجريد وهنا يخاطب الشاعر غيره وهو يريد نفسه.
(٤) لا يجوز أن يبدل الظاهر من الضمير الذي للمتكلم أو المخاطب إلا إذا كان البدل بدل كل فيه معنى الإحاطة، فإن لم يكن فيه معنى الإحاطة فمنعه جمهور البصريين وأجازه الأخفش والكوفيون مستدلين بهذا البيت، وأجازه قطرب في الاستثناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>