من الناس وأقفرت، وإنما لم يقل: أقويتِ بالخطاب؛ لأن من كلامهم أن يخاطبوا الشيء ثم يتركوا خطابه ويكنوا عنه؛ كما في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢]، و "السالف": الماضي، و "الأبد": الدهر.
٢ - قوله:"وقفت فيها": وصف أنه مر بالديار عشيًّا فوقف عليها وسألها عن أهلها توجعًا منه وتذكرًا، و "الأصيلان": تصغير أصلان؛ جمع: أصيل، وهو العشي، وإنما صغره ليدل على قصر الوقت، قوله:"عيت" أي: عجزت فلم تجبني، و "الربع": منزل القوم.
٣ - و "الأواري" بفتح الهمزة؛ محابس الخيل ومرابطها، واحدها آري، قوله:"لأيًا" أي: بطأ، و "النؤي" بضم النون؛ حاجز من تراب حول الخباء لئلا يدخلها السيل، و "المظلومة": الأرض التي لم تمطر فجاءها السيل فجأة، و "الجلد": الأرض الصلبة، والمعنى: ليس في الدار شيء إلا محابس الخيل قد خفي أثرها فلا أتبينها إلا بعد بطئ وجهد.
الإعراب:
قوله:"يا دار مية" يا حرف نداء، ودار مية: منادى مضاف منصوب، قوله:"بالعلياء": محلها النصب على أنها صفة لدار مية، والتقدير: الكائنة بالعلياء، قوله:"فالسند": عطف على العلياء، والفاء بمعنى الواو، قوله:"أقوت": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى دار مية، ومحلها النصب على الحال بتقدير: قد؛ كما في قوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ [النساء: ٩٠] أي: قد حصرت.
قوله:"وطال": فعل، و "سالف الأبد": كلام إضافي فاعله، والجملة عطف على أقوت.
ولم يذكر ابن هشام هذا البيت لأجل الاستشهاد، وإنما ذكره للاحتراز في قوله: اسم الصوت: ما خوطب به ما لا يعقل مما يشبه اسم الفعل، فإن قوله: مما يشبه اسم الفعل احتراز من نحو قوله: "يا دار مية بالعلياء فالسند"(١).
(١) قال المصرح: "وقولنا: مما يشبه اسم الفعل احتراز من نحو قوله: وهو النابغة الذبياني (البيت) فإن قوله: يا دار مية خطاب لما لا يعقل، ولكنه لم يشبه اسم الفعل لكونه غير مكتفى به، ولذلك احتاج إلى قوله: أقوت، وخاطب الدار توجعًا منه لما رأى من تغيرها، وذهب الكوفيون إلى أن قوله يا دار مية اسم موصول، وبالعلياء صلته، والعلياء: ما ارتفع من الأرض … والفاء فيه بمعنى الواو … ". ينظر التصريح بمضون التوضيح (٢/ ٢٠٢).