للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جفنات وأسياف ويقطرن، ولم تقل: جفان وسيوف ويجرين، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك، وقلت: يلمعن بالضحى ولم تقل: يبرقن في الدجى، ولو قلت كان أبلغ في المدح لأن؛ الضيف بالليل أكثر.

وقد زيد في هذا البيت نقد في أربعة مواضع أخر هي قوله. "الغر" ولم يقل البيض لأن الغرة؛ يسيرة، و "يلمعن" ولم يقل يشرقن ونحو ذلك مما يقتضي بياض الشحوم، و "بالضحى" ولم يقل: وبالضحاء؛ لأنه أوسع وقتًا وقال: "دمًا" ولم يقل دماء.

وقال الأعلم: هذا كله تكلف وتعسف، وقد حكى أبو الفتح عن أبي علي أنه طعن في هذه الحكاية عن النابغة (١).

وقال ابن يسعون: نقد هذا البيت من جهة اللفظ ساقط لأن الجمع في: "الجفنات" نظير قوله تعالى: ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: ٣٧]، وأما "الغر" هاهنا ليس بجمع غرة كما تقدم، وإنما الغر البيض المشرفات من كثرة الشحوم وبياض اللحوم، وهي جمع غراء هاهنا، ويجوز أن يريد بالغر المشهوره المنصوبة للقرى.

وكذلك قوله: "يلمعن" هو المستعمل في هذا النحو الذي يدل على البياض؛ كما تقول: لمع السراب ولمع البرق، وكذلك: الضحى والضحياء في ذلك لأنهما بمعنى واحد عند جماعة من العلماء على أن الضحى أدل على تعجيلهم القرى.

وأما قوله: "يبرقن في الدجى" أبلغ في المدح فساقط -أيضًا- لأنه إنما أراد هنا أن طعامهم موصول وقراهم في كل وقت مبذول؛ لأنه قد وصف قبل هذا قراهم بالليل حيث قال:

وإنَّا لَنقْرِي الضَّيفَ إنْ جاءَ طَارقًا … مِنَ الشَّحمِ مَا أضْحَى صَحيحًا مُسَلَّمَا

ويروى: ما أمسى، وأما قوله: "يقطرن" فهو المستعمل في مثل هذا، يقال: سيفه يقطر دمًا ولم تجر العادة أن يقال: سيفه يسيل دمًا أو يجري دمًا مع أن يقطر أمدح لأنه يدل على مضاء السيف وسرعة خروجه عن الضربة حتى لا يكاد يعلق به دم.

والبيت المذكور من الطويل، وبعده (٢):


(١) قال ابن جني في المحتسب (١/ ١٨٧): "وكان أبو علي ينكر الحكاية المروية عن النابغة، وقد عرض حسان شعرًا وأنه لما صار إلى قوله (البيت) قال له النابغة: لقد قللت جفانك وسيوفك، قال أبو علي: هذا خبر مجهول لا أصل لها لأن الله تعالى يقول: ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: ٣٧] ولا يجوز أن تكون الغرف كلها في الجنة من الثلاث إلي العشرة، وعذر ذلك عندي أنه قد كثر عنهم وقوع الواحد على معنى الجمع جنسًا … ". وينظر الكتاب (٣/ ٢٧٨).
(٢) انظر ديوان حسان (١٣٠)، ط. دار المعارف، تحقيق د. سيد حنفي و (٤٢٦) بشرح البرقوقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>