وقال الشاعر، وسمعنا بعض العرب يقول: دعي ماذا عملتِ سأَتّقيهِ … ولكنْ بالغيّب نبّئيني فالذي لا يجوز في هذا الموضع، وما لا يحسن أن تُلغيها". الكتاب (٢/ ٤١٨). (٢) قال سيبويه: "باب إجرائهم ذا وحده بمنزلة الذي وليس يكون كالذي إلا مع (ما) و (مَن) في الاستفهام، فيكون (ذا) بمنزلة (الذي)، ويكون (ما) حرف الاستفهام، وإجرائهم إياه مع (ما) بمنزلة اسم واحد، أما إجراؤهم ذا بمنزلة الذي فهو قولك: ماذا رأيت؟ فيقول: متاعٌ حسنٌ. وقال الشاعر لبيد بن ربيعة: ألا تسألان المرء ماذا يحاول … أنَحْبّ فيُقضى أم ضَلال وباطلُ وأما إجراؤهم إياه مع (ما) بمنزلة اسم واحد فهو قولك: ماذا رأيت؟ فتقول: خيرًا؛ كأنك قلت: ما رأيت؟ ومثل ذلك قولهم: ماذا ترى؟ فنقول: خيرًا. وقال جلّ ثناؤه: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا﴾ [النحل: ٣٠]. فلو كان "ذا" لغوًا قالت العرب: عمّاذا تسأل؟ ولقالوا: عمّ ذا تسأل، كأنهم قالوا: عمّ تسأل، ولكنهم جعلوا (ما) و (ذا) اسمًا واحدًا، كما جعلوا "ما" "وإن" حرفًا واحدًا حين قالوا: إنما … ولو كان (ذا) بمنزلة الذي في ذا الموضع البتة، لكان الوجه في: ماذا رأيت، إذا أجاب أن يقول: خيرًا". الكتاب (٢/ ٤١٦ - ٤١٨). (٣) يراجع: الكتاب (٢/ ٤١٦ - ٤١٨)، والهمع (١/ ٨٤)، والخزانة (٦/ ٤٢)، والمغني (٣٠١) وفيه يقول ابن هشام: الرابع: أن يكون "ماذا" كله اسم جنس بمعنى شيء، أو موصولًا بمعنى الَّذِي، على خلاف في تخريج قول الشاعر: " … البيت" فالجمهُور على أن "ماذا" كله مفعول دعي، ثم اختلف، فقال السيرافي وابن خروف: (ما) موصول بمعنى الَّذِي، وقال الفارسي: نكرة بمعنى شيء، قال: لأن التركيب ثبت في الأجناس دون الْمَوْصُولات. وقال ابن عصفور: لا تكون (ماذا) مفعول لدعي؛ لأن الاستفهام له الصدر، ولا لعلمت؛ لأنه لم يرد أن يستفهم عن معلومها ما هُوَ؟، ولا لمحذوف يفسره: سأتقيه؛ لأن علمت حينئذ لا محل لها بل "ما" اسم استفهام مُبْتَدَأ "وذا" موصول خَبَر "وعلمت" صلة، وعلق "دعي" عن العمل بالاستفهام. انتهي. ونقول: إذا قدرت "ماذا" بمعنى الَّذِي أو بمعنى شيء لم يمتنع كونها مفعول دعي، وقوله: "لم يرد أن يستفهم عن معلومها" لازم له إذا جعل ماذا مُبْتَدَأ وخبرًا، ودعواه تحليق دعي مردودة بأنها ليست من أفعال القلوب .. ".