للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: نعم؛ كما قال الشاعر (١):

لقد كذِبَ الوَاشُونَ مَا بُحْتُ عندهم … بلَيْلَى ولا أرسلتُهُمْ بِرَسُولِ

أي: برسالة.

قوله: "أحقًّا" الهمزة للإنكار التوبيخى، ومثل هذا يكون خارجًا عن الاستفهام الحقيقي فيقتضي تحقق ما بعدها، وأنّ فَاعِلَه مَلُومٌ على ذلك، وانتصاب (حقًّا) على وجهين:

الأول: أن يكون ظرفًا مجازيًّا، والتقدير: أفي حق هجاني أخطلكمُ وإليه ذهب سيبويه في مثل هذا (٢).

والثاني: أن يكون صفة لمصدر محذوف، أي: أهجاني أخطلُكُم هجوًا حقًّا؟ وإليه ذهب المبرد (٣).

قوله: "أخطلكم": كلام إضافي، اسم لأن، وخبره قوله: "هجاني" والجملة في محل الرفع على الابتداء، وقوله "أحقًّا": في موضع الخبر؛ لأنه منصوب بتقدير "في"كما ذكرنا، والتقدير: أفي حق هجو أخطلكم إياي؟

فإن قلت: ما الدليل على أن "حقًّا" منصوب بتقدير في؟

قلت: تصريحهم بها في بعض الأماكن، ومن ذلك قوله (٤):

أفي حق مُوَاساتِي أخاكمْ … بِمَالِي ثم يَظْلِمُني السَّريسَ

فإن قلتَ: ما الدليل على أنه جارٍ مجرى الظرف؟

قلتُ: لأن العرب استعملته خبرًا عن المصدر ولم تستعمله خبرًا عن الجثة؛ كما أن ظرف الزمان كذلك، وإنما حكم له بحكم ظرف الزمان وإن لم يكن اسم زمان، ولا عدوه قائمًا مقامه


(١) البيت من بحر الطويل لكثير عزة، وهو في ديوانه (١٧٨) ط. دار الكتاب العربي، والرواية في الديوان: "برسيل" وهو أيضًا في اللسان، مادة: "أرسل"، وينظر الخزانة (١٠/ ٢٧٨)، وأورده العيني شاهدًا على أن رسولًا في بيت الشاهد عند ابن هشام بمعنى الرسالة.
(٢) ينظر الكتاب (٣/ ١٣٤ - ١٣٧).
(٣) قال ابن هشام: "وقال المبرد: "حقًّا" مصدر لـ (حقَّ) محذوفًا، وأن وصلتها: فاعل". المغني (٥٥)، وينظر الخزانة (١/ ٢٧٥).
(٤) البيت من بحر الوافر لأبي زبيد الطائي، ينظر الخزانة (١٠/ ٢٨٠)، وهو شاهد على مجيء (في) مع (حق) يدل على أن (حقًّا) منصوب على الظرفية بتقدير (في)؛ ففي الخزانة يقول في الشاهد التاسع والأربعين بعد الثمانمائة بعد أن ذكر البيت: "على أن مجيء "في" مع "حق" يدل على أن "حقًّا". إنما ينصب على الظرفية بتقدير في، وهذا ظاهر".

<<  <  ج: ص:  >  >>