للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: هو الصواب؛ لأن قبله هو قوله (١):

لَا صُلْحَ بَيني فَاعْلَمُوهُ ولَا … بَينَكُمُ ما حَمَلَتْ عَاتقِي

سَيفي وَمَا كُنَّا بِنَجْدٍ وَمَا … قَرْقَرَ قُمْرُ الوَادِ بالشَّاهقِ

قلت: كلتا القافيتين مرويتان، ثم يحتمل أن يكون قائلهما واحدًا أو اثنين، ويكون الشطر الأول وهو قوله: "لا نسب اليوم ولا خلة" صادرًا منهما على توارد الخاطر أو على السرقة الشعرية وهي من السريع (٢)، قوله: "ولا خلة" بضم الخاء، أي: ولا صداقة، قوله؛ "على الراقع" من رقع الثوب إذا أصلح الموضع المتخرق منه، قوله: "أنهج فيه البلى" يقال: أنهج الثوب إذا أخذ في البلى بكسر الباء من بلى الثوب يبلى إذا أخلق، قوله: "أعيا" من أعيا على الرجل أمره إذا صعب واشتد، قوله: "عاتقي" العاتق: موضع الرداء من المنكب، وإنما قال: حملت عاتقي بالتأنيث، لأن العاتق يؤنث ويذكر، وإن كان الأفصح تذكيره، وفيه التضمين وهو من عيوب الشعر (٣)، وذلك لأن قوله: "سيفي" معمول لقوله: "حملت"، قوله: "قرقر" أي: صوت، يقال: قرقرت الحمامة قرقرة وقرقيرًا، قوله: "قمر الوادي" بضم القاف وسكون الميم وفي آخره راء، وهو إما جمع أقمر مثل: أحمر وحمر، وإما أن يكون جمع قُمْيري مثل: رومي وروم، وزنجي وزنج، وهكذا قال الجوهري، ثم أنشد البيتين المذكورين أعني: "لا صلح بيني فاعلموه … إلى آخره" ونسبهما إلى أبي عامر جد العباس بن مرداس كما ذكرنا (٤)، قوله: "بالشاهق" وهو الجبل المرتفع، والباء تصلح أن تكون ظرفًا بمعنى في، وتصلح أن تكون بمعنى على؛ كما في قوله تعالى: ﴿مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ﴾ [آل عمران: ٧٥] أي: على قنطار.

وأصل هذا الشعر أن النعمان بن المنذر بعث جيشًا إلى بني سليم فهزمته بنو سليم فمر الجيش على غطفان فاستجاشوا؛ أي: طلبوا الجيش علي بني سليم بالرحم التي كانت بينهم، فقال الشاعر وهو من بني سليم الشعر المذكور، يقول: لا نسب ولا قرابة [اليوم] (٥) بيننا، وقد تفاقم الأمر بحيث لا يرجى خلاصه، فهو كالخرق الواسع في الثوب لا يقبل رقع الراقع أو كفتق واسع لا يقدر أحد أن يرتقه.


(١) ينظر شرح شواهد المغني (٦٠١).
(٢) الأبيات من السريع، ونسبها العيني إلى الرجز المسدس، وهو خطأ.
(٣) ينظر أوزان الشعر وقوافيه من مسرحية كليوباترا (١٤٢) د: علي فاخر.
(٤) الصحاح مادة: "قمر".
(٥) ما بين المعقوفين سقط في (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>