للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعندي هاهنا وجه آخر: وهو أن تكون الواو في "آونة" بمعنى الباء التي هي حرف الجر التي تأتي بمعنى الظرف، والتقدير: بآونة، أي: في آونة، أي: في أزمان، ويكون أصل: أثالا وأثالا بحرف العطف فحذف حرف العطف لأجل الضرورة، وحَذْفُ حرف العطف في الشعر كثير، وعلى كل تقدير: لا يخلو هذا التركيب من المحذور والتعسف.

فإن قلتَّ: هل تأتي الواو بمعنى باء الجر؟

قلتُ: نعم؛ كما يقال أنت أعلم ومالك، أي: بمالك، وبعت الشياه شاة ودرهما، أي: بدرهم (١)، قوله: "أراهم رفقتي" أرى هاهنا بمعنى أعلم؛ لأنه من أرى الرؤيا؛ لأنه إدراك بالحس الباطن كالعلم، فأجري مجراه في اقتضائه المفعولين، فقوله: "هم" مفعوله الأول.

وقوله: "رفقتي": كلام إضافي مفعوله الثاني، وقوله: "حتى" هاهنا حرف ابتداء؛ أي: حرف يبتدأ بعده الجملة يعني: تستأنف، وكلمة: "إذا" للظرف، وكلمة: "ما" زائدة، ويجوز أن يكون حتى حرف جر، وإذا في موضع جر بحتى؛ كما ذكر الأخفش نحوَه في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] (٢).

قوله: "تجافى": فعل ماض و "الليل": فاعله، قوله: "وانخزل": عطف على تجافى، و"انخزالًا": نصب على المصدرية.

قوله: "إذا" للمفاجأة، و"أنا": مبتدأ، وخبره قوله: "كالذي" أي: كالرجل الذي، قوله: "أجري" على صيغة المجهول؛ صلة الذي، ويروى: "كالذي يجري" وهو الأشهر.

قوله: "لورد" اللام فيه للتعليل، أي: لأجل الورد إلى الماء، قوله: "إلى آل": يتعلق بقوله: "أجري"، قوله: "فلم يدرك": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "بلالًا": مفعوله.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أراهم رفقتي" حيث نصب أرى التي من الرؤيا مفعولين، وهما: الضمير، وقوله: "رفقتي" كما ذكرنا (٣).


(١) قال ابن هشام في حديثه عن خروج الواو عن إفادة مطلق الجمع: "والثاني: أن تكون بمعنى باء الجر كقولهم: أنت أعلم ومالك، وبعت الشاء شاة ودرهمًا، قال جماعة: وهو ظاهر"، المغني (٣٥٨).
(٢) ذهب الأخفش وابن مالك إلى أن حتى الداخلة على إذا حرف جر، ينظر المغني (٢٩).
(٣) من أفعال القلوب التي تفيد اليقين: رأى فتدخل على المبتدأ والخبر وتنصبهما كقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦) وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾، وألحقت بها رأى الحلمية فتنصب المفعولين -أيضًا- كقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ ومنه البيت المذكور.

<<  <  ج: ص:  >  >>