صاحب الترجمة إلى حلب، وتفقه بها، وأخذ عن العلامة جمال الدين يوسف بن موسى الملطي الحنفي وغيره، ثم قدم لزيارة بيت المقدس، فلقي به العلامة علاء الدين أحمد بن محمد السيرامي الحنفي، شيخ المدرسة الظاهرية برقوق، وكان العلاء أيضًا توجه لزيارة بيت المقدس، فاستقدمه معه إلى القاهرة في سنة ثمانٍ وثمانين وسبعمائة، ونزّله في جملة الصوفية بالمدرسة الظاهرية، ثم قرره خادمًا بها في أول شهر رمضان منها، فباشر المذكور الخدامة حتى توفي العلامة علاء الدين السيرامي في سنة (٧٩٠ هـ).
وقد انتفع به صاحب الترجمة وأخذ عنه علومًا كثيرة في مدة ملازمته له، ولما مات العلاء السيرامي أخرجه الأمير جاركس الخليلي أمير آخور من الخدامة وأمر بنفيه لما اتُّهم به؛ حسدًا من الفقهاء، حتى شفع فيه شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، فأُعفي من النفي، وأقام بالقاهرة ملازمًا للاشتغال، وتردد على الأكابر من الأمراء مثل الأمير حكم بن عوض، والأمير قلمطاي الداودار قبله، وتغري بردي القردمي، وغيرهم، حتى توفي الملك الظاهر برقوق في سنة (٨٠١ هـ) فولي بعد ذلك حسبة القاهرة.
قلتُ: وولايته الحسبة بالقاهرة يطول الشرح في ذكر ذلك؛ لأنه وليها غير مرة، آخرها في سنة (٨٤٦ هـ) عوضًا عن يار علي الطويل الخرساني. انتهى.
ثم ولي المذكور في الدولة الناصرية عدة تداريس ووظائف دينية، واشتهر اسمه وأفتى ودرَّس، وأكبَّ على الاشتغال والتصنيف إلى أن ولي في الدولة المؤيدية شيخ نظر الأحباس، وصار من أعيان فقهاء الحنفية، وأرَّخ وكتب، وجمع وصنف، وبرع في علوم كثيرة؛ كالفقه، واللغة، والنحو، والتصريف، والتاريخ، وشارك في الحديث، وسمع الكثير في مبدأ أمره، وقرأ بنفسه، وسمع التفسير، والحديث والعربية.
فمن التفسير: تفسير الزمخشري، وتفسير النسفي، وتفسير السمرقندي.
ومن الحديث: الكتب الستة، ومسند الإمام أحمد، وسنن البيهقي، والدارقطني، ومسند عبد ابن حميد، والمعاجم الثلاثة للطبراني، وغير ذلك.
ومن العربية: المفصل للزمخشري، والألفية لابن مالك في النحو وغيرهما.
وتصدى للإقراء سنين، واستمر على ذلك إلى أن طلبه الملك الأشرف برسباي، وأخلع عليه باستقراره قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية في سنة (٨٢٩ هـ)، بعد عزل قاضي القضاة: زين الدين عبد الرحمن التفهني، فباشر المذكور وظيفة القضاء بحرمة وافرة، وعظمة زائدة، لقربه من الملك، ولخصوصيته به، ولكونه ولِيَ القضاء من غير سعي.