للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجمهور على المنع، سواء كان في نثر أو نظم (١)، وأجابوا عن البيت بأن الضمير في ربه يرجع إلى الجزاء المدلول عليه بلفظ الفعل؛ كما في قوله تعالى: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٨] أي: جزى رب الجزاء عني عدي بن حاتم، وليس هو راجعًا إلى عدي بن حاتم، أو يقال: إنه ضرورة (٢)، وقال ابن كيسان: إنه شاذ، أو تكون الكناية لغير عدي بن حاتم، فكأنه وصف رجلًا أحسن إليه ثم قال: جزاه ربه عني خيرًا، وجزى عني عدي بن حاتم شرًّا، فحينئذ لا شذوذ في البيت (٣).

قلتُ: لا يخفى ما في هذا التأويل من الوهي لكثرة الحذف وادعاء حذف ما لا دليل عليه فافهم.


(١) يمنع الجمهور عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبةً، فإن ورد من ذلك شيء كان شاذًّا ويجب تأويله، وذلك نحو تقديم الفاعل الملتبس بضمير المفعول عليه مثل: زان نوره الشجر، قال ابن الناظم: "فلو كان ملتبسًا بضمير المفعول وجب عند أكثر البصريين تأخيره عن المفعول؛ نحو: زان الشجر نوره، وقوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾ [البقرة: ١٢٤] لأنه لو تأخر المفعول عاد الضمير على متأخر لفظًا ورتبة. ومنهم من أجازه؛ لأن استلزام الفعل للمفعول يقوم مقام تقديمه فتقول: زان نوره الشجر".- ابن الناظم (٢٢٩). وأجازه جمع من النحويين كالأخفش والطوال وابن جني وابن مالك شعرًا ونثرًا، واستدل ابن مالك بستة أبيات من الشعر. قال ابن جني: "وأما أنا فأجيز أن تكون الهاء في قوله: (البيت) عائدة على عدي خلافًا على الجماعة .... ". الخصائص لابن جني (١/ ٢٩٤، ٢٩٥)، قال ابن مالك: "ومثال الضمير الذي يتقدم قليلًا قول حسان يرثي مطعم بن عدي جد نافع ابن جبير:
وَلَوْ أنَّ مَجْدًا أخلدَ الدهرَ واحدًا … من النَّاسِ أبقَى مجْدُهُ الدَّهرَ مُطْعِمَا
… والنحويون إلا أبا الفتح يحكمون بمنع مثل هذا، والصحيح جوازه لوروده عن العرب في الأبيات المذكورة وغيرها". شرح التسهيل لابن مالك (١/ ١٦٠ - ١٦٢)، وقد أجاز بعض النحاة ذلك في الشعر دون النثر وهو الحق والإنصاف؛ لأن ذلك إنما ورد في الشعر، وقد اختار ابن الناظم وابن الشجري وابن عصفور والمرادي وغيرهم جوازه في ضرورة الشعر دون النثر؛ قال ابن الناظم: "والحق أن ذلك جائز في الضرورة لا غير؛ كقول الشاعر:
جَزَى بَنُوهُ أَبَا الغَيلانِ عن كِبَرٍ … وَحُسْن فِعْلٍ كَمَا يُجْزَى سِنِمَّارُ
وقول حسان في مطعم بن عدي:
وَلَوْ أنَّ مَجْدًا أخلدَ الدهرَ واحدًا … من النَّاسِ أبقَى مجْدُهُ الدَّهرَ مُطْعِمَا
ومثله قول الآخر:
كسَا حِلْمُهُ ذَا الحِلْيم أَثْوَابَ سُؤدُدٍ … وَرَقَّى نَدَاهُ ذَا النَّدَى فيِ ذُرَا المَجْدِ"
ابن الناظم (٢٢٩، ٢٣٠)، ضرائر الشعر لابن عصفور (٢٠٨ - ٢١٠)، وحاشية الخضري (١/ ١٦٦، ١٦٧)، وابن الشجري (١/ ١٠١) وما بعدها.
(٢) ينظر ضرائر الشعر (٢٠٨، ٢٠٩)، وهمع الهوامع للسيوطي (١/ ١٦٦)، وشرح التصريح (١/ ٢٨٣).
(٣) ينظر رأي ابن كيسان في شرح التسهيل لابن مالك (١/ ١٦١)، وشرح الرضي على الكافية (١/ ١٦١)، وشرح الأشموني (٢/ ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>