للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلتُ: المعنى ها هنا: كل شيء سوى الله تعالى زائل فائت مضمحل ليس له دوام.

قوله: "وكل نعيم" النعيم: ما أنعم الله به عليك، وكذلك النعمة والنعمى والنعماء، فالمد في الفتح، والقصر [في الضم] (١)، قوله: "لا محالة" أي: لا حيلة، ويجوز أن تكون من الحول وهو القوة والحركة، وهي مفعلة منهما، وأكثر ما تستعمل لا محالة بمعنى الحقيقة واليقين، أو بمعنى: لا بد، والميم زائدة، ومنه ما جاء في حديث (٢) قُسّ بن ساعدة (٣):

أَيقَنتُ أَنِّي لا مَحالَةَ … حَيثُ صارَ القَومُ صائِرُ

قال الجوهري (٤) قولهم: "لا محالة" أي: لا بد، يقال: الموت آت لا محالة (٥).

فإن قلت: الجنة نعيم، وهي لا تزول أبدًا، فكيف قال: وكل نعيم لا محالة زائل؟ وهذا كلام غير صحيح، ولهذا لمّا أنشده لبيد رد عليه عثمان بن مظعون (٦) -رضي الله تعالى عنه- وقال له: كذبتَ، نعيم الجنة لا ووول، على ما روى محمد بن إسحاق صاحب المغازي (٧).

وقال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عمن حدثه قال: لما رأى عثمان بن مظعون -رضي الله تعالى عنه- ما يلقى رسول الله وأصحابه من الأذى، وهو يغدُو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة (٨)، قال عثمان: والله إن غدوي ورواحي آمنًا بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل بيتي يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، فمشى إلى الوليد بن المغيرة وهو في المسجد، وقال (٩): يا أبا عبد شمس وفت ذمتك، وقد


(١) ما بين المعقوفين سقط في (ب).
(٢) قُسّ بن ساعدة بن عمرو بن عدي من بني إياد، شاعر وخطيب مفوَّه، أول من قال: أما بعد، أدرك النبي قبل النبوة، توفي سنة (٢٣) قبل الهجرة. الأعلام (٥/ ١٩٦)، وموسوعة شعراء العصر الجاهلي (٢٦٥).
(٣) مقطوعة من بيت، من مجزوء الكامل لقس بن ساعدة في التذكير بالموت وأولها:
في الذاهِبينَ الأَوَّليـ … ـــنَ من القُرونِ لَنا بَصائِر
(٤) إسماعيل بن حماد الجوهري أبو نصر الفارابي، صنَّف: الصحاح ومقدمة في النحو وكتابًا في العروض وغيرهم (ت ٣٩٣ هـ) بغية الوعاة (١/ ٤٤٦) وما بعدها.
(٥) الصحاح مادة: "حول"، وموسوعة شعراء العصر الجاهلي (٢٦٥).
(٦) هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب الجحمي، صحابي توفي في الثانية للهجرة، الأعلام (٤/ ٢١٤).
(٧) محمد بن إسحاق بن يسار بن جبار، ألف كتاب الخلفاء وكتاب السيرة وكتاب المبتدأ وكتاب المغازي توفي سنة (١٥٠ هـ)، ينظر كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٦)، (٧).
(٨) الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، جاهلي عادى الإسلام وقاوم الدعوة توفي في السنة الأولى للهجرة، الأعلام (٨/ ١٢٢).
(٩) في (أ): "فقال".

<<  <  ج: ص:  >  >>