للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعله حسنًا، وها هنا كيف يقال: أي شيء جعل اللَّه قادرًا! وصفات الله قديمة؟!

قلت: هذا السؤال وارد على قول الفراء؛ حيث جعل "ما" في باب التعجب استفهامية (١) وهو ضعيف لاقتضاء الاستفهام الجواب (٢)، والوجه في ذلك ما قاله سيبويه، وهو ما في قولك: ما أحسن زيدًا! نكرة معناه: شيء أحسن زيدًا، وهو في محل الرفع على الابتداء، وما بعده خبره (٣)، والمسوغ لذلك كون القصد منه التعجب لا الإخبار المحض.

واشتراط تعريف المبتدأ إنما هو في الخبر المحض، وأما على قول الفراء فالتقصي عن ذلك بأن يقال: إن العباد اعتقدوا عظمة اللَّه وقدرته، وأنهما قديمتان ولا يخطر بالبال أن شيئًا صيره كذلك وقد خفي علينا، وكال: ما أقدر اللَّه! لفظة تعجب ومعناه: الطلب والتمني، ثم [إن] (٤) "ما" نكرة بمعنى شيء، والضمير في "أقدر" يرجع إليه، ولفظة "الله" مفعوله.

قوله: "أن يدني" أي: على أن يدني، فحذف الجار، ومثل هذا الحذف يكثر مع أن لطوله بصلته، و "أن" مصدرية. والتقدير: ما أقدر اللَّه على إدناء من داره الحزن ممن داره صول! أراد: أن يدني من هو مقيم بالحزن ممن هو مقيم بالصول، قوله: "على شحط" يتعلق بقوله: "يدني" وموضعه النصب على الحال، قوله: "من داره الحزن" كلمة "من" موصولة، و "داره" كلام إضافي مبتدأ و "الحزن" خبره والجملة صلة الموصول، والموصول مع صلته في محل النصب على أنها مفعول لقوله: يدني.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أن يدني" حيث أثبت الشاعر [فيه] (٥) الياء ساكنة مع تقدير النصب، وهو قليل (٦).


(١) هو مذهب الفراء وابن درستويه، ونقله في شرح التسهيل لابن مالك عن الكوفيين. ينظر (٣٢/ ٣)، توضيح المقاصد (٣/ ٥٦)
(٢) هو اعتراض على قول الفراء.
(٣) قال سيبويه: "هذا باب ما يعمل عمل الفعل ولم يجر مجرى الفعل ولم يتمكن تمكنه وذلك قولك: ما أحسن عبد الله! زعم الخليل أنه بمنزلة قولك: شيء أحسن عبد الله، ودخله معنى التعجب". الكتاب لسيبويه (١/ ٧٢) وينظر الجنى الداني (٣٣٧)، والإنصاف (١٢٨).
(٤) و (٥) ما بين المعقوفين سقط في (أ).
(٦) الأولى في المضارع المعتل الآخر بالياء (المنصوب) أن يكون منصوبًا بفتحة ظاهرة، وتقدير نصب الياء ضرورة.
ينظر توضيح المقاصد (١/ ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>