للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيام القادسية واشتد القتال بين الفريقين سأل أبو محجن امرأة سعد أن تحل قيده وتعطيه فرس سعد البلقاء وعاهدها أنه إن سلم عاد إلى حاله من القيد والسجن وإن استشهد فلا تبعة عليه فلم تفعل فقال

كفى حزنا أن ترتدي الخيل بالقنا … وأترك مشدودا علي وثاقيا

إذا قمت عناني الحديد وغلقت … مصارع دوني قد تصم المناديا

وقد كنت ذا مال كثير وإخوة … فقد تركوني واحدا لا أخا ليا

حبسنا عن الحرب العوان وقد بدت … وأعمال غيري يوم ذاك العواليا

فلله عهد لا أخيس بعهده … لئن فرجت أن لا أزور الحوانيا

فلما سمعت سلمى امرأة سعد ذلك رقت له فخلت سبيله وأعطته الفرس فقاتل قتالا عظيما وكان يكبر ويحمل فلا يقف بين يديه أحد وكان يقصف الناس قصفا منكرا فعجب الناس منه وهم لا يعرفونه ورآه سعد وهو فوق القصر ينظر إلى القتال ولم يقدر على الركوب لجراح كانت به وضربان من عرق النساء فقال لولا أن أبا محجن محبوس لقلت هذا أبو محجن وهذه البلقاء تحته فلما تراجع الناس عن القتال عاد إلى القصر وأدخل رجليه في القيد فأعلمت سلمى سعدا خبر أبي محجن فأطلقه وقال اذهب لا أحدك أبدا فتاب أبو محجن حينئذ وقال كنت آنف أن أتركها من أجل الحد قيل إن ابنا لأبي محجن دخل على معاوية فقال له أبوك الذي يقول

إذا مت فادفني إلى جنب كرمة … تروي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفنني بالفلاة فإنني … أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها

فقال ابن أبي محجن لو شئت لقلت أحسن من هذا من شعره قال وما ذاك قال قوله

لا تسأل الناس عن مالي وكثرته … وسائل الناس عن حرمي وعن خلقي

القوم أعلم أني من سراتهم … إذا تطيش يد الرعديدة الفرق

قد أركب الهول مسدولا عساكره … وأكتم السر فيه ضربة العنق

أعطي السنان غداة الروع حصته … وعامل الرمح أرويه من العلق

عف المطالب عما لست نائلة … وإن ظلمت شديد الحقد والحنق

وقد أجود وما مالي بذي قنع … وقد أكر وراء المحجر الفرق

قد يعسر المرء حينا وهو ذو كرم … وقد يثوب سوام العاجز الحمق

سيكثر المال يوما بعد قلته … ويكتسي العود بعد اليبس بالورق

<<  <  ج: ص:  >  >>