للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد مناف. وقد أقام إسناده جماعة من رُوَاةِ ابن شهاب وسمّو الرَّجُل، منهم: معمر، ويونس، والليث" (١).

التفسير (٢):

قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية (٣)، اعلموا أنّ ظاهر القرآن يقتضي أنّ القَصْرَ مشروطٌ بالخَوْفِ والسَّفَر، فَبّيَّنَ عمر بن الخطّاب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّ القصرَ مع الأمْن في السَّفَر صدقةٌ من الله، ثبتت (٤) بفعل رسول الله عيَهتَ حين كان يقصر الصّلاة وهو مسافرٌ خائفا وآمِنًا. وإلى هذا السَّفَر أشار عبد الله بن عمر (٥) في جوابه لأسِيد حين قال له: "إنّ اللهَ بعثَ إلينَا محمَّدًا ونحنُ لا نَعْلَمُ شَيئا، فإنّما نفعلُ كما رأيناهُ يفعلُ". إلَّا أنّ الإشكالَ الأكبر ما رواه مسلم (٦) عن ابن عبّاس؛ أنّه قال: "فرَضَ اللهُ الصلاةَ على لسانِ نبِيِّكُم في الحَضَرِ أربعًا، وفي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وفي الخَوْفِ وَاحِدَةٌ". قال علماؤنا: هذا الحديث مردودٌ بالإجماعِ.

جواب: إنّ هذا الخبر لمِ يُخبِر به ابن عبّاس عن النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - (٧)، وإنّما أخبر به عن الله والدِّين، فيحتملُ أنّ يكون أَخَذهُ من ظاهر القرآن؛ لأنّه قال تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} (٨) فخاطبَ المسافرينَ الّذين صلاتهم ركعتان بالقَصْرِ لِعِلَّةِ الخوف، فلابدّ أنّ تكون واحدة.

وأمّا حديث عائشة (٩): "فُرِضتِ الصَّلاةُ ركْعَتَيْنِ" فأجاب عنه علماؤنا بخمسة أوجه:

أحدها: - أنّها لم تخبر بذلك عن النّبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنّما أخبرت عن حال قد يدركها كل أحَدٍ (١٠)؛ لأنّ المسافر فَرْضهُ ركعتان، والمقيم فَرْضُه أربع، وهذا ثابتٌ في الدِّين قطعًا.


(١) انظر الأسانيد إليهم في التمهيد: ١١/ ١٦١ - ١٦٤.
(٢) انظره في القبس: ١/ ٣٢٨ - ٣٣١.
(٣) النِّساء: ١٠١.
(٤) في القبس: ١/ ٣٢٢ (ط. الأزهري) "تبيّنت".
(٥) كما في حديث الموطَّأ (٣٨٩) رواية يحيى.
(٦) الحديث (٦٨٧).
(٧) - صلى الله عليه وسلم -.
(٨) النِّساء: ١٠١، وانظر أحكام: ١/ ٤٨٤.
(٩) الّذي رواه مالك في الموطَّأ (٣٩٠) رواية يحيى.
(١٠) في النُّسَخِ: "حال قد أدركتها [وفي غ: أدركها، حال آخر" والمثبت من القبس.

<<  <  ج: ص:  >  >>