للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثّالث: أنَّ يكون في الحَوْلَيْنِ قبلَ الانفصال، وما قَارَبَ ذلك على أحدِ مذاهبِ أصحابِنَا.

الرّابع: أنّ يكونَ اللَّبْنُ مفردًا، لم يختلط بما يغيب فيه فيستهلك (١).

الخامس: أنَّ يكونَ اللَّبَنُ قوتًا له دون غيره.

قال الإمام: هذا ما حكاه الأَيِمّة من المُتَفقِّهينَ، ففيه معانٍ يأتي بيانُها إنَّ شاء الله.

المقدّمةُ الثّانية (٢)

اعلم أنَّ الرَّضاعَ حُرْمَة وذِمَّةٌ أَلْحَقَهَا اللهُ بالنَّسَبِ، كما ألْحَقَ حُرْمَةَ المُصاهرةِ به. والرَّضاعُ آكدُ منها؛ لأنّه بعضِيَّةٌ، كما أنَّ حُرْمَةَ النَّسَب من البعضِيَّةِ، ولما كان مُلْحَقًا بالنَّسَبِ، ذَكَرَهُ اللهُ بعده فقال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمِّهَاتُكُمْ} (٣) فاستوفَى مُحَرَّماتِ النَّسَبَ، ثمّ ذكَرَ مُحرَّمات الرَّضاع، فقال: {وَأُمِّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} الآية (٤)، ولم يَزِدْ، واقتصَرَ على الأُمِّ من الأُصول، وعلى الأُختِ من الفروع.

أمّا إنّه قد وَرَدَ حديثانِ صحيحان تَمَّمَ بهما النُّبيُّ عليه السّلام معنَى البيانِ، وجاءَ فيهما بموعُودِ الوَعْدِ الصَّادقِ في قوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (٥)، ورُوِيَ عن عليّ بن أبي طالب - رضي اللهُ عنه - قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَاكَ تَنَوَّقُ (٦) في قُرَيْشٍ وَتَدَعُنَا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ: "وَعِنْدَكُمْ شيْءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: وَمَنْ؟ قُلْتُ: ابنةُ حَمْزةَ، قال: إنّما هيَ بِنْتُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ لَا تَحِلُّ لِي" (٧).


(١) في التّلقين:"أنَّ يكون اللّبن إمّا منفردًا بنفسه أو مختلطًا بما لم يستهلك فيه، فأمّا إنَّ خالطه ما استهلك فيه من طَبيخٍ أو دواءٍ أو غير ذلك فلا يحرمُ عند جمهور أصحابنا".
(٢) انظرها في القبس: ٢/ ٧٦٥ - ٧٦٦.
(٣) النِّساء: ٢٣.
(٤) النِّساء: ٢٣.
(٥) النحل: ٤٤.
(٦) أي تختار وتبالغُ في الاختيار، انظر مشارق الأنوار لعياض: ١/ ١٢٥.
(٧) رواه مسلم (١٤٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>