للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدمة الثّالثة في وجوبه

قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} الآية (١).

وقال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} (٢).

وقال عزّ من قائل: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية (٣).

وهذه الآية ناسخةٌ للّتي أمر الله فيها نبيَّهُ - صلّى الله عليه وسلم - بالعَفوِ والصَّفْحِ فقال: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} (٤) فأتى من أمره لها لمّا أمر بقتال المشركين فقال: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية (٥).

وجاءتِ الأخبارُ الثَّابتةُ عنِ النَّبِيِّ - صلّى الله عليه وسلم - بموافقةِ ظاهر الآيات، وهو قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أنّ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقُولوا لا إله إِلَّا الله ... " (٦) الحديث، وهو في معنى الدَّعوةِ قوِىٌّ جدًّا.

وقال علماؤنا: وجهادُ العدوّ الظَّاهر فرضٌ من فروضِ الكفايةِ وهم الكفّار. وجهادُ العدوّ الباطن فرضٌ من فروض الأعيان، وهو الشّيطان. وقد رَتِّبتْ أحوالُه في الشّريعة


(١) البقرة: ٢١٦، وانظر أحكام القرآن: ١/ ١٤٦.
(٢) البقرة ١٩٠، وانظر أحكام القرآن: ١/ ١٠١، ومعرفة قانون التّأويل: لوحة ٧٧/ أ.
(٣) التوبة: ٥، وانظر أحكام القرآن: ٢/ ٩٠١، والناسخ والمنسوخ: ٢/ ٢٤٠.
(٤) البقرة: ١٠٩، وانظر معرفة قانون التّأويل: لوحة ٥٩/ ب. والقول بنسخ هذه الآية هو الّذي صحّحه عبد القاهر البغدادي في النّاسخ والمنسوخ: ١٧١ وذكر أنّه قول ابن عبّاس وأبيّ بن كعب، وبه قال الواقدي والزُّهرِيّ. كما قال بالنسخ مكِّي بن أبي طالب في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: ١٢٤. إِلَّا أنّ المؤلِّف أيّد القائلين بعدم النسخ في كتابه الناسخ والمنسوخ: ٢/ ٤٤ فقال رحمه الله:"قال السّدّي في هذه الآية: إنّها منسوخة بالأمر بالقتال، وتد بيّنّا أنّ الحكم الممدود إلى غاية لا تكون الغاية ناسخة له، فمن ظنّ ذلك من الجهّال فقد سبق بّيَانُنَا له، ولم يقل ذو تحصيل بنسخٍ في ذلك فاعلموه من هنالك".
(٥) التوبة: ٥.
(٦) أخرجه مسلم (٢١) عن جابر، وأخرجه البخاريّ (٢٥) عن ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>