للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يخلو أنّ يكونَ المحتَكِرُ للطّعام من مالِ نَفسِهِ، أو من كَسب يَدِهِ، أو ممّا اشتراهُ في السُّوق، فإن كان من مال نفسه وكَسْبِ يده، فالحُكْرَةُ جائزةٌ بلا خلافٍ، وإن انتظر به رَفعَ السُّوقِ وخفضَها، وتربُّص لأجل ذلك، فهو جائزٌ أيضًا بغيرِ خلافٍ. وإنِ انتظرَ به غلاءً متفاوتًا لنازلةٍ تحدُثُ من قَحطٍ أو عَدُوٍّ ونحوه، فالحُكرَةُ جائزةٌ والتَّربُّصُ حرامٌ، فلما تنافرتِ الحُكرَةُ والتَّربُّصُ لفظًا ومعنىً وحُكمًا جعلهما مالك لفظتين.

وأمّا إنَّ كان يحتكرُ بشراءٍ من السُّوق، فذلك جائزٌ أيضًا بثلاثة شروطٍ:

الأوّل: سلامةُ النِّيَّة كما تقدّم.

الثّاني: ألَّا يضُرَّ النَّاس بالشراءِ فيرتفعَ السعرُ بكثرةِ الطالبِ.

الثّالث: ألَّا يكونَ من أصولِ المعاشِ والحياةِ، كالدُّهن والخلِّ ونحوه.

أمّا إنَّه قد تكون الحُكْرَةُ مستحسنةً، وذلك بأن يَكثُرَ الواردُ على الموضع بالأقواتِ وعند بعض النَّاس نُقُودٌ، فإن لم يَشتَرُوا من الجالبِ رَدَّ ما جَلبَ، فالشّراءُ حينئذٍ جائزٌ، والحُكرةُ حسنةٌ.

فَضلٌ (١)

فإذا احتكَرَ ونزلت نازلةٌ بالنّاس، فاحتبسَ عن البيع إِلَّا ما يريدُ، فهي مسألةُ التّسعيرِ، وبيانُها أنّه صحَّ عن النَّبيِّ -عليه السّلام- أنّ نَفَرًا من الصّحابة سَألُوهُ التَّسْعيرَ في السُّوق، فقال: "إِنَّ الله هُؤ المُسَعَّرُ القَابِضُ البَاسِطُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أنّ ألقَى اللهَ وَلَا يَطْلُبَنِي أَحَدٌ بمَظْلَمَةٍ عِندَهُ" (٢) ويُحملُ الحديثُ على وجهين:

أحدُهما: إذا لم يَكُنِ الزّائدُ متفاوتًا.

الثّاني: إذا لم يكن في ذلك* ضَرَرٌ بأن يَتَرَقّى منه إلى غيره*.

فإن خرج عن هذين الوجهين لم يَجُزِ التّسعيرُ أيضًا، ولكن يقالُ للّذي يتولَّى


(١) انظره في القبس: ٢/ ٨٣٧ - ٨٣٨.
(٢) أخرجه أحمد: ٣/ ٣٥٦، ٢٨٦، وأبو داود (٣٤٥١ م)، وابن ماجه (٢٢٠٠)، والترمذي (١٣١٤) وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، وابن حبّان (٤٩٣٥) من حديث أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>