للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلام في إثبات الجنِّ والشّياطين

قال علماؤنا من أهل الأصول: اعلموا أنَّ اللهَ تعالى جعل في النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - قوة يميِّزُ بها الشّياطين في الهواء؛ لأنّ الشّياطين أجسامٌ لطيفةٌ تتشبَّثُ بالهواء، كما أنّا نُدرِكُ في الهواءِ الشيءَ الّذي لا يتميَّز ولا يتبيَّن لنا إلَّا عند دخول الشَّمس في البيوت من الكُوَى.

وقال آخَرونَ: إنّ الله تعالى قَوَّى أبصارَ الأنبياءِ عليهم السّلام على تَمْيِيزِ أشخاصِ الشّياطين، كما جعلَ في النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - قوة لطيفة كان يرى بها من وراء ظهرهِ، كما يرى بها من أَمَامِه. وكذلك جُعِلَت أيضًا في يده قوة لطيفة قَدرَ بها على أَخْذِ الشّياطين، وقد أخذَ الشّيطانَ ورَبَطَه، كما قال -عليه السّلام-: "لولاَ أنِّي ذكرتُ دعوةَ أخِي سليمان: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} (١) لَوَجَدْتُمُوهُ مربوطًا بأَحَدِ سَوَارِي المسجد" (٢).

وقال أهلُ الحديثِ: يجوزُ أنّ تراه أنتَ، ومَنْ معك لا يراه، واعْتَلُّوا بالحديث الّذي رواه أَيُّوب؛ أنّه قال؛ جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - فقال: يا رسولَ الله، إنِّي رأيتُ كالهرة، فقال له: "ذلك مِنَ الجِنِّ" (٣)، وقد كانتِ الجنُّ تُرَى في عهد سليمان بن داود - صلّى الله عليه وسلم - ويكلِّمون النّاس، ثمّ إنّ اللهَ حَجَبَهُم.

وقالت الكفَرةُ من الأطبّاء: محالٌ أنّ يكون شيءٌ إلَّا ما أَدْرَكَهُ الحسُّ والعيانُ, وما لم يُدْرِكهُ الحسُّ والعيانُ فباطلٌ، إنّما هي الْمِرَّةُ (٤) السّوداء تهيجُ على الإنسانِ، فيذهب عقله وتتخيّل له الأوهام الكاذبة (٥).


(١) سورة ص: ٣٥.
(٢) أخرجه بنحوه البخاري (٣٤٢٣)، ومسلم (٥٤١) من حديث أبي هريرة.
(٣) لم نقف عليه.
(٤) الْمِرَّةُ هي المزاج.
(٥) انظر أحكام القرآن: ٤/ ١٨٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>