للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كتاب السّرقة والقَطْع

قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الآية (١)، فهذه الآية عامّةٌ في كلِّ سَرِقَةٍ كيف ما وُجِدَت، وعلى أيِّ حالةٍ جَرَت، إِلَّا أنّ الشّريعة خصَّصَتْها بخصائصَ، وعَقَدَتها بمَعَاقِدَ، ولمّا قال: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} لم يُوَقِّت في كم من السّرقة تُقطَع اليد؟ وفي هذا الكتاب أربعةَ عشرَ مَعْقِدًا (٢):

المَعقِدُ الأوَّل:

قالت طائفةٌ: يتعَلَّقُ القطعُ في السّرقةِ بقليل المال وكثيره، لقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ، يَسرِقُ البَيضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقطَعُ يَدُهُ" (٣) وهذا حديثٌ صحيحٌ. وتعلّقت به طائفةٌ من الخوارجِ، والعمل به.

قال ابنُ قتيبة (٤): المرادُ بالبيضةِ بيضةُ الحديد، والمرادُ بالحَبلِ حبلُ السَّفينةِ (٥)، وابنُ قتيبةَ هَجُومٌ وَلَّاجٌ على ما لا يُحسِنُ، ولَيتَهُ يُخطِىءُ في البيضِ والحِبَالِ، ولا يُخْطِىءُ في صفاتِ ذي الجلالِ والإكرامِ. وعَضَدَ ذلك بعضُهُم بحديث يُروَى عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أَنَّه


(١) المائدة: ٣٨، وانظر الأحكام: ٢/ ٦٠٥.
(٢) انظر هذه المعاقد في القبس: ٣/ ١٠٢١ - ١٠٣٠.
(٣) أخرجه البخاريّ (٦٧٨٣)، ومسلم (١٦٨٧) من حديث أبي هريرة.
(٤) في تأويل مختلف الحديث: ١١٣.
(٥) عبارة ابن قتيبة هي: "ومن الفقهاء من يذهب إلى أنّ البيضة في هذا الحديث بيضة الحديد الّتي تَغفِرُ الرّأس في الحرب، وأن الحبل من حبال السُّفن. قال: وكل واحد من هذين يبلغ دنانير كثيرة. وهذا التّأويل لا يجوز عند من يعرف اللُّغة ومخارج كلام العرب؛ لأنّ هذا ليس موضع تكثير لما يسرق السارق فيصرفَ إلى بيضة تساوي دنانير، وحبل عظيم لا يقدر على حمله السارق، ولا من عادة العرب والعجم أنّ يقولوا: قَبَّحَ اللهُ فلانًا فإنّه عرّض نفسه للضرب في عِقْد جوهر وتَعَرَّضَ لعقوبة الغلول في جراب مسك، وإنّما العادة في مثل هذا أنّ يقال: لعنه الله تعرَّضَ لقطع اليد في حبلٍ رثّ أو كبة شعر أو إداوة خلق، وكلما كان هذا أحقر كان أبلغ". وانظر مناقشة هذا القول في فتح الباري: ١٢/ ٨٢، وراجع المعلِم: ٢/ ٢٥٤، هاكمال المعلم: ٥/ ٤٩٦، والمفهم: ٥/ ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>