للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدِّمة الثّانية في وجوبه

وهو فرضٌ من فرائض الإسلام، وركن من أركانِه، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (١).

وفرضه مرّة في العمر، وقد قال بعضُ النّاس - فيما أَمْلَى علينا الشّيخ الإمام أبو الحسن العبدري (٢) - قال بعض النّاس: يجبُ في كلِّ خمسة أعوامِ مرَّة، ورَوَى في ذلك حديثًا أَسْنَدَهُ إلى النّبي - صلّى الله عليه وسلم - (٣)، والحديث باطلٌ والإجماع صادٌّ في وجهه (٤)، وليس يجب غير مرَّة واحدة في العمر، وبه قال جماعة العلّماء.

وقالت جماعة منهم الشّافعيّ: إنّ العمرة واجبةٌ كوُجوبِ الحَجّ، واستدلَّ عليه قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (٥) ورُوِيَ في حديث جبريل -عليه السّلام-؛ أنّه قال: ما الإسلام؟ قال: "أنّ تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وأن تقيم الصّلاة، وتؤتي الزَّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ وتعتمر، وتغتسل من الجنابة" (٦). والصّحيح ما قلناه من الأَثَر والنَّظَرِ.

أمّا الأثر، فقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (٧) ولم يذكر العمرة، وقال النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "بُنِيَ الإِسلامُ " على خمسٍ (٨) فذَكَرَ الحجّ خاصّة.

وقال النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - للأعرابى: "وحج البيت" قال: هل علي غيره؛ قال: "لا" (٩)، ولأنّ البيت سبب من أسباب العبادة، فلا يتعلَّق به وجوب شيء، كالزَّوالِ والغروب.

وأمّا قولى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (١٠)، فليس يقتضي لُزوم الفعل ابتداءً، وإنّما


(١) آل عمران: ٩٧، وانظر القبس: ٢/ ٥٣٩ - ٥٤٢.
(٢) من شيوخ المؤلِّف (ت.٥٣٥).
(٣) أخرجه عبد الرزّاق (٨٨٢٦)، وأبو يعلى (١٠٣١) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا.
(٤) في القبس: "وجوههم".
(٥) البقرة: ١٩٦. يقول الشّافعيّ في الأمّ: ٣/ ٣٢٦ [ط. رفعت فوزي] "والذي هو أشبه بظاهر القرآن ... أنّ تكون العمرة واجبة، فإن الله عَزَّ وَجَلَّ قرنها مع الحج".
(٦) أخرجه الدارقطني: ٢/ ٢٨٢ من حديث عمر.
(٧) آل عمران:٩٧.
(٨) أخرجه البخاريّ (٨)؛ ومسلم (١٦) من حديث ابن عمر.
(٩) أخرجه البخاريّ (٤٦)، ومسلم (١١) من حديث طلحة بن عبيد الله.
(١٠) البقرة: ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>