للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإعراضِهِ عن الظّاهر إذا وجدها (١)، ألَّا ترى إلى قوله فيمن حَلَفَ ألَّا يأكُلَ هذا الطّعامَ، ولا يَلْبَسَ هذا الثّوبَ، أنّه لا ينْتفِعُ بهما في حالٍ، إذا كان المقصودُ معنَى اليمين أو فهم منه.

قال أبو حنيفة والشّافعيّ: يَبِيعُهُ ويأكُلُ ثَمَنَهُ.

وهذه فتوى يهوديّة، فمالك - رحمه الله - أهدى طريقة، وأوضح حُجَّة، وأغوص على المعاني.

حديث عيسى بن مريم في الزهد في الدُّنيا والتقلُّلِ منها

مالك (٢)؛ أنّه بلغه أنّ عيسى بن مريم كان يقول: "عليكُم بالماءِ القَرَاحِ والبَقْلِ البَرِّيِّ وخُبْزِ الشَّعيرِ، وإيّاكُم وخُبْزَ البُرِّ فإنّكم لن تقوموا بشُكْرِه".

قال الإمام: هذا حديثٌ عظيمٌ، ولنا فيه مآخذ ومعاني أوْدَعْناها في "سراج المريدين" ولكن نعطف ههنا العنان على نوعٍ من البيان على أربعة طُرُقٍ:

الطريق الأوّل (٣): في سند الآثار وذكر ما ورد عنه من الآثار

رَوَى الأعمش، عن أبي صالح رفعه إلى عيسى بن مريم قال: قال عيسى لأصحابه: "اتّخِذُوا المساجدَ مساكنَ، واتّخِذُوا البيوتَ منازلَ، وانْجُوا من الدُّنيا بسلامٍ، وكلوا من بقل البَرِيَّةِ" وزاد الأعمش فيه: "واشربوا من الماءِ القَرَاحِ" (٤).

خبر آخر: ورَوَى مجاهد، عن عُبَيد بن عُمَيْر، قال: كان عيسى بن مريم لا يرفعُ غَذَاءً لعَشاءٍ، ولا غَشاءً لغَداءٍ، وكان يقول: إنَّ مع كلِّ يوم رِزْقَهُ، وكان يلْبَسُ الشَّعر ويأكل الشَّجر وينام حيث أَمْتَى (٥).


(١) أي إذا وجد المعاني واضحة.
(٢) في الموطَّأ (٢٦٩٢) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٩٥٦)، وسويد (٧٠٦).
(٣) هذا الطريق مقتبس من الاستذكار: ٢٦/ ٣٢١ - ٣٢٤.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة (٣٤٢٢٨) ومن طريقه ابن عبد البرّ في الاستذكار: ٢٦/ ٣٢١ - ٣٢٢، وأخرجه ابن المبارك في الزّهد (٥٦٣) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة.
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة (٣٤٢٢٦)، ومن طريقه ابن عبد البرّ في الاستذكار: ٢٦/ ٣٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>