للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب عِدَّة المتوفّى عنها زوجها

قال الإمامُ (١): رُوِيَ عنِ ابنِ عبَّاسِ (٢) أنّه قال: إنّها إنْ كانت حاملًا، فإن عِدَّتَهَا آخِرُ الأَجَلَيْنِ. وقال عامَةُ النّاسِ: إنَّ وَضْعَ الحَمْلِ مُبرِىءٌ لها.

والعُمدةُ فيه: حديثُ أمِّ سَلَمَةَ (٣)، وَلَدَتْ سُبَيعَةُ الأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وفاةِ زوجِهَا بِلَيَالٍ، - وفي روايةٍ: بِنِصْفِ شهرٍ (٤) - فَخَطَبَهَا رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا شَابٌ, وَالآخَرُ كَهْلٌ. فَحَطَّتْ إِلَى الشَّابِّ، فَقَالَ الشَّيخُ: لَمْ تَحِلّ بَعْدُ، وَكَانَ أَهْلُهَا غُيِّبًا، وَرَجَا إِذَا جَاءَ أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِروُهُ بِهَا، فَسَأَلَتْ رَسُولَ الله - صلّى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهَا: "قَدْ حَلَلْتِ، فانْكِحِي مَنْ شِئْتِ" وهذا دليلٌ لا غُبَارَ عليه، يَنْبَنِي على أصلٍ من أصولِ الفقهِ، وهو تخصيصُ عُمُومِ القرآن بخبرِ الواحدِ (٥)، بَيَّنَ النّبيُّ عليه السّلام قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (٦) وأنّ قولَهُ عزّ وجلّ: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (٧) إذا لم تكن حاملًا، ولعلَّ ابنَ عبّاسٍ لم يَعْلَمْ ذلك (٨) أو رَجَعَ إليه حين عَلِمَ به (٩)، وله في ذلك كلامٌ غامضٌ يتعلَّقُ بالسُّكنَى


(١) الظّاهر أنَّ هذا الكلام هو المسألة الأولى، وانظره في القبس: ٢/ ٧٦١ - ٧٦٢.
(٢) في الموطَّأ (١٧٢٥) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٧٠٢)، وسويد (٣٦٩)، وابن القاسم (٣٩٦)، والقعنبي عند الجوهري (٥٩٩)، والشّافعيّ في مسنده: ٢٩٩، وابن وهب عند أحمد: ٢٩٩.
(٣) في الموطَّأ (١٧٢٧) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٧٠٥)، وسويد (٣٧٠)، والشّافعيّ في مسند: ٢٩٩.
(٤) أخرجها مالك (١٧٢٥) رواية يحيى الّتي أشرنا إلبها سابقًا.
(٥) يرى المؤلِّف في المحصول في علم الأصول: ٣٥/ أأنَّ الفقهاء باجمعهم مالوا إلى جواز تخصيص العموم بخبر الواحد، كما يقرر أنّ هذا الرأي هو المشهور، ولا إلتفات إلى قول من منع ذلك. انظر العارضة: ٥/ ١٤٣، ٧/ ٢٣٣.
ونصّ ابنُ القصَّارِ في مقدِّمته: ٩٤ - ٩٥ على أنَّه مذهب مالك، ونصره الباجي ني إحكام الفصول: ٢٦٢ وذكر أنَّه قول المالكية، والغريب أنّ الغزالي في المنخول: ٢٩٢ ذكر أنَّ الإمام مالك مال إلى القول بالمنع.
(٦) الطّلاق: ٤، وانظر أحكام القرآن: ٤/ ١٨٣٨.
(٧) البقرة: ٢٣٤، وانظر أحكام القرآن: ١/ ٢٠٧.
(٨) وهو الّذي نصّ علبه البوني في تفسير الموطَّأ: ٩٥/ ب حيث قال: "لم يبلغه حديث سبيعة الأسلمية والله أعلم".
(٩) يقول ابن عبد البرّ في الاستذكار: ١٨/ ١٧٨ "ويصحّحُ [رجوع ابن عبّاس] أنَّ أصحابه عطاء =

<<  <  ج: ص:  >  >>