للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثّالثة:

اختلفَ العلّماءُ فيمن قَبَّلَ قبلةً واحدةً فأَنْزَلَ، هل يكفِّر أم لا؟ وهذا منهم خلافٌ في حالٍ. فمن رأى الكفَّارةَ، اعتقدَ أنّ القُبْلَةَ الواحدة يكون منها الإنزال، ففاعلها قاصدٌ إليه ومُنْتَهِكٌ لحُرْمَةِ الشَّهْرِ، فوجبتِ الكفّارةُ. ومن رأى ألَّا كفارة، اعتقد أنّ الإِنْزَال لا يكون منها غالبًا، فالفاعل لها وإن وقع ذلك منه غير قاصدٍ إليه ولا مُنْتَهِكٍ لحُرْمَةِ الشَّهْرِ، فإنّه لا كفّارةَ عليه.

المسألة الرّابعة:

قوله (١): "كَانَا يُرَخِّصَانِ في الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ" فيه دليلٌ على أنّ الباب يتعلَّقُ به منعٌ، ولولا ذلك لكان مُطلَقًا مُبَاحًا، وإنّما يكون رخصة ما يتعلَّق ببابه (٢) المنع، وأَرْخَصَ في شيءٍ منه لأَمْرٍ ما.

وفرَّقَ علماؤنا بين الشَّيخِ والشّاب، وعمومُ (٣) الحديثِ وظاهرُهُ يقتضي جوازها لهما جميعًا؛ لأنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - لم يقل للمرأة: هل زوجك شيخ أو شابٌّ؟ ولو ورد الشّرع بالفَرْقِ بينهما لما سكتَ عليه السَّلام عنه؛ لأنّه المبيِّن عن الله تعالى مراده من عباده.

وكان ابنُ عبّاس يَكْرَهُ القُبْلَةَ للشَّيْخ والشابِّ، وذهب فيها مذهب ابن عمر، وهو شأنّه في الاجتهاد والاحتياط، وقد بيّنّا في هذا "الكتاب" أنَّ مالكًا - رحمه الله - من سَعَةِ عِلْمِهِ وتَبَجُّحِهِ في الفقه إذا ذكر في "كتابه" هذا حديثًا مُجْمَلًا أَعْقَبَهُ بحديثٍ مُفَسِّرٍ له، من أجل ذلك ساقَ بعد هذا الباب بابًا قال فيه:

باب التَّشديد في القُبْلَةِ للصَّائم

مالك (٤)؛ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - كَانَتْ إِذَا ذَكَرَتْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم -


(١) أي قول زيد بن أسلم في الموطّأ (٨٠١) رواية يحيي.
(٢) جـ: "يتعلق به".
(٣) من هنا إلى آخر الفقرة مقتبس من التمهيد:٥/ ١٠٩، أو الاستذكار: ١٠/ ٥٥ - ٥٦.
(٤) في الموطَّأ (٨٠٢) رواية يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>