للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بجميع أفعالِهِ حتّى يقوم الدَّليل على تخصيصه بها.

نكتةٌ (١):

قوله: "وَإِنِّي لأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ" ذكر قوله "أَخْشَاكُمْ" مقرونًا بالرَّجَاءِ، وذَكَرَ قوله: "أَتْقَاكُمْ" على القَطْعِ، ورجاءُ رسولِ الله - صلّى الله عليه وسلم - قَطْعٌ؛ لأنّه لم يخب ظَنّه بِرَبِّهِ، وقطعهُ قَطْعٌ؛ لأنّه خبرٌ عن حقيقةِ حَالِهِ، أَعْلَمَهُمْ بذلك على سبيل الاعتقادِ والإعلام في الدِّين (٢)، لا على سبيل الفَخْر على المسلمين.

الفقه في خمس مسائل:

المسألة الأولى (٣):

قول عائشة - رضي الله عنها - أنّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه: "كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ" وكانت تقول: "وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لإِرْبِهِ مِنْ رَسُول اللهِ - صلّى الله عليه وسلم -" و"لِنَفْسِهِ- في لفظ آخر (٤) - كَمَا كَانَ رَسُول اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - يَمْلِكُ نَفْسَهُ" فلذلك شَدَّدَ فيه ابن القاسم عن مالك في كلِّ صوم؛ لأنَّ القُبْلَةَ لا تدعو إلى خَيْرٍ، ورخَّصَ فيها في التَّطَوُّعِ من رواية ابن وهب، وذَكَرَهُ ابن حبيب.

والصحيح عندي ما في الحديث من قول عائشة: "وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لإرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم -" فلا ينبغي لأحدٍ أنّ يتعرضها إِلَّا أَنْ يكون شَيْخًا مُنْكَسِرَ الشَّهْوَةِ، ولعلّ هذا السائل كان كذلك؛ لأنّ في تَعَاطِيهَا تغريرًا بالعبادة، وتعريضًا لها لأسباب الفساد، وذلك مكروهٌ باتِّفاقٍ من الأُمَّةِ.

المسألة الثّانية:

قولها (٥): "كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجهِ وَهُوَ صَائِمٌ" دليلٌ على أنّ القُبْلَةَ لا تمنعُ صِحَّة الصَّوم، ولا خلافَ في ذلك، إِلَّا أنَّه يُكْرَهُ لمن لا يأمن نفسه ولا يملكها، لئلّا يكون سببًا إلى ما يُفْسِد الصّوم، والمباشرة في ذلك تجري مَجْرَى القُبْلة؛ لأنّها مِمَّا يُتَلَذَّذُ بها، وهي من باب الاستمتاع، وربَّمَا كانت سببًا إلى مَذْيٍ أو مَنِيٍّ.


(١) انظرها في القبس: ٢/ ٤٩١.
(٢) في القبس: "بالدين".
(٣) انظرها في القبس: ٢/ ٤٩١ - ٤٩٢.
(٤) وهي رواية الموطّأ (٨٠٢) رواية يحيى.
(٥) جـ: "وفي قول عائشة أيضًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>