العلماء وأقوالهم، كما تظهر أشدّ وضوحا في أحكامه الَّتي أطلقها جازمة قويّة، شأن العالِمِ المعتدِّ بعِلْمِه، الواثق من صحّة رأيه وسَداد اختياره، فهو لم يكن مجرّد ناقل، وإنّما كان ناقلا ناقدا، ومحقِّقا بصيرا، لا يحجم عن تأييد ما يراه حَسَنا، ونقض ما يراه قبيحا (١).
[عنايته بالرواة]
وذكر في بعض المواطن أحوال بعض الرُّواة وأنسابهم، كما لم يفُتهُ في كثير من الأحاديث ذكرُ اختلاف نُسخ "الموطَّأ".
[إبداعه في وضع العناوين الدالة]
كما أنَّه - رحمه الله تعالى- اعتنى أشدَّ الاعتناء باختيار عناوين مباحثه في أثناء شرحه الحديث، وتأنَّق في ذلك أشدَّ التأنّق، وإن كان لا يتحرَّج أحيانا من استعارة بعض هذه الأسماء ممن سبقوه كابن عبد البرّ والباجي، ولكن الغالب الأعمّ هو من حُرِّ فكره وخالص إبداعه. ويطولُ بنا المقام لو حاولنا ذكر إبداعاته في هذا المجال، ولكن إليكم بعض الأمثلة التي تدل على صدق ما ادعيناه، ففي مجال تأصيل المسائل وتقعيدها يستعمل العناوين التالية: "تأصيل
(١) انظر -على سبيل المثال- نقده لابن أبي زيد في المسالك: ٣/ ١٥٦، وعطاء في: ٢/ ٤٣٨، وابن عيينة في: ٣/ ٣٠٢، والشافعي في: ٤/ ١٧٠، وأبي حنيفة في: ٦/ ١٧٤، ٢٢٢, وابن حبيب في: ٢/ ٤٣٨، وابن عبد البر في: ٣/ ٦٠١، أبي حامد الغزالي في: ١/ ١١٥، والصوفية في: ٣/ ٤٣٣، والفقهاء في: ٣/ ١١٢، والجهلة من النحويين في: ٣/ ٥٧٨.