للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت فرقةٌ من المعتزلة: إنّه لا يُرى بوجهِ ولا على حالٍ، لقوله: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} (١) الآية، وقالوا: إنّ الأبصار لا تدركُ غيرَ الألوانِ. وقالوا: إنَّه ليس تدركُ العينُ ما ليس بلونٍ، فلو كان لها ألوانٌ لأدرَكَها النَّاس كلّهم إدراكًا واحدًا (٢).

قال الإمام الحافظ: وهذا باطلٌ، والخوضُ معهم ضلالٌ؛ لأنّ الآثار والقرآن قد تواتر بذلك كلِّه، والله أعلم.

الكلام في النّفس والرُّوح

من قوله: "إنَّ الله قبضَ أرواحَنا" وقولُ بلال:

"أخذَ بنفسي الّذي أخذ بنفسك يا رسول الله"

قال الإمام الحافظ - رضي الله عنه -: أمَّا القول في الرُّوح، فالإمساكُ عنه أقرب إلى التَّخلُّص، وإنّما خُضْنَا فيه كما خاضَ أوائلُنا. والأظهرُ فيه أحد وجهين:

١ - إمّا أنّ يكون عَرَضًا، كما قال القاضي أبو بكر بن الطَّيِّب (٣) والإسفراينيون (٤).

٢ - وإمّا أنّ يكون جسْمًا لطيفًا مشابِكًا للأجسامِ المحسوسة، كما اختاره أبو المعالي (٥).


(١) الأعراف: ٢٧ وانظر معرفة قانون التأويل [خامس الفنون] الورقة: ٢٣٥.
(٢) وإلى مثل هذا الرأي ذهب ابن حزم في الفعل: ٥/ ١٣.
(٣) هو الإمام الباقلاني، وانظر رأيه في الروح في قانون التأويل: ١٧٣ - ١٧٤.
(٤) هما أبو إسحاق إبراهيم بن محمَّد الإسفراييني (ت.٤١٨)، وأبو المظفّر طاهر بن محمَّد الإسفراييني (ت.٤٧١).
(٥) في كتابه الإرشاد: ٣٧٧، وقد أورد المؤلِّف هذه الأوجه في كتابه المتوسط: الورقة: ١٢١ - ١٢٢ثم قال: "والطريق في ذلك: أنّ من نظر منهم إلى ظواهر الأخبار وما فيها من إضافة الأفعال إليه والإخبار عنه بما لا يتأتَّى من الأعراض، قال: إنّه جسم لطيف، مع أنّ العقل لا [يحيل] جوازه. ومن نظر إلى أدلّة المعقولات، ظهر منها بعد النّظر أنّه عرضٌ، وعلى ما جاء في ظواهر الشّريعة من المجاز.
والحال فيه قريب؛ فإن المرء لا يبالي عما اعتقد من ذلك، وإنّما يجب أنّ يحفظ عقيدته عن أمرين: أحدهما: القول بِقِدَم الأرواح.
والثاني: القول بفنائهَا.
فإذا اعتقد أنّها مُحْدَثَةٌ، وأنّها باقية لا يجري علبها فناء، فقد سلم اعتقاده، وصحَّ رشاده، والله أعلم لا ربِّ غيره"

<<  <  ج: ص:  >  >>