يروي صاحبنا محمد بن الحسين السُّليماني- عَفَى الله عنه - أنَّ شقيقته عائشة فوَّضته لكتابة هذه الطليعة في هذه الأيام المباركة من ذي الحجة من عام ١٤٢٧ للهجرة، وبعد تردُّدٍ وإحجام، عَلِمَ أنّه أمر لا سبيلَ له عنه، فشَحَذَ عَزمَه للكتابة، ونفض عنه غبار الكسل. وما إن أمسك بالقلم بين أنامله حتّى أحسَّ بخاطرٍ غريبٍ، إذ عادت به الذِّكرَى إلى ماضٍ بعيد، يوم كان طالبًا في قسم الدِّراسات العليا بجامعة الملك عبد العزيز، منذ نحو من ربع قرن، في يوم من أيام شتاء مكّة الدافئ، في بيت شيخه الوقور العالم الزاهد والتكلم النظار سليمان دنيا -برَّدَ الله مضجعه ونوُّرَ ضريحه- بحي الروضة (١)، كان صاحبنا يقرأ على شيخه مقدمة "قانون التأويل" لابن العربي، والّتي قال فيها:"ودعَتِ الضرورةُ إلى الرِّحلة، فخرَجنا والأعداءُ يَشْمَتون بنا، وآياتُ القرآن تَنزِعُ لنا، وفي عِلْم البارئ - جلَّت قدرتُه - أنه ما مرَّ عليَّ يومٌ من الدَّهر كان أعْجَبَ عندي من يوم خروجي من بَلَدي، ذاهبًا إلى ربِّي، ولقد كنت مع غزارة السَّبيبَة ونَضَارَةِ الشَّبيبةِ، أحرِصُ على طلب العلم في الآفاق، وأتمنُّى له حال الصَّفَّاقِ الأفَّاقِ، وأرى أنَّ التّمكُّن من ذلك في جَنْبِ ذهاب الجاه والمال، وبُعْدِ الأهل بتغَيُّرِ الحال، رِبْحٌ في التجارة، ونُجْحٌ في الطلب، وكان الباعث على التّشبُّث - مع هول الأمر- هِمَّةٌ لَزِمَت، وعَزْمَةٌ لَجَمَت، ساقَتها رحمةٌ سَبقَت".
(١) من عجائب الاتفاق الإلهي، أن يكتب صاحبنا هذه الطليعة في الحي نفسه وعلى بعد أمتار من سكن شيخه رحمة الله عليه. نننننن