للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكون عليه القضاء؛ لأنّه لم يفطر متعمِّدًا، وإنّما فعل متعمِّدًا ما جرّه إلى الفِطْرِ ضرورة، فإنْ سَلِمَ من الفِطْرِ فلا شيءَ عليه؛ لأنّه غرر بأمرٍ فسلم منه، وإنّما كره من كره ذلك من العلّماء مَخَافَةَ التّغرير، وأمّا من عرف من نفسه القُدرة، فإنَّ الحِجَامَةَ مباحةٌ له، ولذلك كان سعد وعُرْوَة يحتجِمَانِ وهما صائمان. وكان عبد الله يحتجم في أوَّلِ عمره صائِمًا، فلمّا كبر تَرَكَهُ لِئَلَّا يُغَرِّرَ بصومه، هذا المشهور من المذهب.

وفي "المدنية" من رواية ابن نافع عن مالكٌ؛ أنَّه قال: لا يحتجم قويّ ولا ضعيفٌ في صَوْمِهِ حتَّى يفطر، فربّما ضعف بعد القُوَّةِ. ورُوِيَ عن ابن القاسم مثله (١).

المسألة الرّابعة (٢):

حديثُ هشامٍ (٣)، عن أبيه؛ "أنّه كان يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ" يحتمل معنيان:

أحدهما: أنّ يكون عُرْوَة كان يَصُوم.

والثّاني: يحتملُ أنّه كان يحكي (٤) أكثر أفعاله.

وقد تقدّم أنّه رُوِيَ "أَفْطَرَ الحَاجمُ والمَحْجُومُ" وقد اختلفَ العلّماءُ في ثبوته وصِحَّتِهِ، فإن صحَّ فهو منسوخٌ بفعله - صلّى الله عليه وسلم -؛ لأنّه احتجم وهو صائمٌ.

باب صِيَام يوم عَاشُورَاء

الإسناد:

قال الإمام: الأحاديثُ في هذا الباب صِحَاحٌ مُتَّفَقٌ على صِحَّتِها ومَتْنِها، خرّجها الأيمّة. واختلفت الأحاديث في صوم النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء في سبب ذلك، فَرَوَى يحيى (٥)؛ أنّ قريشا كانت تصومه في الجاهليّة.

ورُوِيَ عن ابن عبّاس؛ أنَّه قال: قَدِمَ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - المدينة فرأى اليهود


(١) "مثلها" زيادة من المنتقى.
(٢) هذه المسألة مقتبسة من تفسير الموطّأ للبوني: ٤٩/ ب-٥٠/ أ.
(٣) في الموطّأ (٢٨٠) رواية يحيى.
(٤) غ، جـ: "يحتمل" وفي تفسير البوني: "حكا" ولعلّ الصواب ما أثبتناه.
(٥) في موطّئه (٨٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>